إنها مصر

هذا هو السودان

كرم جـبر
كرم جـبر

بيننا وبين الشعب السودانى الشقيق مودة ومحبة، وكلما أتابع أخبار الموت والدمار والخراب، أدعو المولى عز وجل أن تنطفئ نيران الفتنة، وينعم أهله الطيبون بخيرات بلادهم التى يندر أن تكون فى دولة أخرى.

وفى آخر زيارة لى للسودان منذ خمس سنوات حرصت على الذهاب إلى مكان التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق فى ساعة الغروب، لمشاهدة المنحة الإلهية الخالدة، التى انعكست ملامحها على طباع وملامح أبناء وادى النيل.

لوحة رائعة الجمال، ويمتد عناق النهرين طويلاً مخترقاً الأراضى السودانية والمصرية، ليرتوى الشعبان معاً من مياهه الخالدة.

هل يعقل أن السودان يعانى من خطر المجاعة، بينما يمتلك 200 مليون فدان صالحة للزراعة، وأكثر من 100 مليون من حيوانات الغذاء و50 مليون من الدواجن بجانب ملايين الأطنان من الثروة السمكية؟

السودان الذى يقع معظم سكانه تحت خط الفقر، تغطى المعادن الثمينة نصف مساحته، وفيه جبال من الذهب والفضة، بجانب النحاس والزنك والحديد والرخام والمنجنيز واليورانيوم.

وفى زيارتى منذ خمس سنوات للخرطوم تحدث معى زملاء صحفيون ومثقفون عن حب السودانيين للممثل المصرى العملاق يحيى الفخرانى، لأنه جسد سماحتهم ووسطيتهم وطيبتهم فى مسلسل "الخواجة عبد القادر"، وتمنيت أن تسنح الظروف لزيارة السودان يشاركنا فيها الفخرانى.

السودانيون عاشقون للفن والحضارة والغناء والموسيقى، وفى ذاكرتهم الفنانة الخالدة أم كلثوم، التى غنت لشاعرهم الكبير الهادى آدم قصيدة "أغداً ألقاك"، وأم كلثوم بالمناسبة كانت شديدة الحرص على أن تشدو بكلمات لمؤلفين من معظم الدول العربية.

والسودانيون يتذكرون تاريخ جمال عبد الناصر بكل الخير والاحترام، ففى بلدهم الطيب أزالوا آثار هزيمة 67، وأعادوا له اعتباره وخرجوا بالملايين لاستقباله من المطار حتى الفندق لحضور القمة الشهيرة بـ "اللاءات الثلاثة" وحملوا سيارته من فوق الأرض.

السودان الذى يحتاج وسطاء محايدين لحلحلة أزمته، كان بطل المصالحة التاريخية جمال عبد الناصر والملك فيصل، بعد سنوات من الخلاف بينهما على خلفية حرب اليمن، وهذا ما كتبته باستفاضة فى مقال سابق.

وكان رئيس الوزراء السودانى محمد أحمد المحجوب هو رسول السلام بين البلدين، وأقام مأدبة عشاء فى منزله للزعيمين ناصر وفيصل، بعيداً عن الكاميرات والدبلوماسية، وحلف بالطلاق أن يتصافحا، وكان ذلك بداية علاج المشاكل، دارت أغلب المناقشات فى مؤتمر الخرطوم حول الدعم العربى لدول المواجهة، لتحقيق الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة.

كان عبد الناصر قلقاً على الوضع فى الضفة الغربية والقدس، وكان يرى ضرورة العمل الدبلوماسى لتحريرهما بأقصى سرعة، واستغلال العلاقات الطيبة بين العاهل الأردنى الملك حسين والولايات المتحدة، وعاد عبد الناصر من السودان منتشياً رغم الهزيمة، ومزوداً بشحنات حماسية رائعة، استمدها من روح الشعب السودانى، وحبه لمصر، ووقوفه بجانبها فى لحظات الشدة.

السودان، جزء غالى من الجسد العربى، ويعانى ضربات وطعنات نافذة، ندعو الله أن تنزاح الفتن وينعم شعبه بالأمن والسلام.