الموقف السياسى

تجويع غزة.. خط أحمر مصرى

محمود بسيونى
محمود بسيونى

منذ اندلاع المواجهات فى الأراضى المحتلة عشية يوم 7 أكتوبر، والأنظار تتجه إلى معبر رفح باعتباره شريان الحياة الوحيد إلى داخل قطاع غزة مسرح الأحداث، بعدما قررت قوات الاحتلال تنفيذ هجومها الدموى على القطاع المنكوب.

انتبهت مصر منذ اللحظة الأولى لأهمية تدفق المساعدات الى داخل القطاع لحماية الأشقاء الفلسطينيين من تدهور الأوضاع الإنسانية بعدما خرب القصف الإسرائيلى الوحشى ملامح الحياة وحاصر الأهالى بقطع المياه والكهرباء فى جريمة حرب مكتملة الأركان.

وَجَّه الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكومة ودعا المجتمع المدنى ممثلًا فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى لتدبير المساعدات واصطفت الشاحنات بطول الطريق من القاهرة إلى رفح المصرية فى ملحمة انسانية استمرت لستة أشهر كاملة ضرب فيها الشعب المصرى أروع الامثلة فى التضامن مع الشعب الفلسطينى رغم التحدى الاقتصادى الصعب والدقيق إلا أن الخير المصرى تدفق إلى داخل القطاع بلا انقطاع، وأقول الخير المصرى لأن مصر بالأرقام والإحصائيات هى صاحبة نصيب الأسد فى المساعدات المُقدمة إلى القطاع.  

قوة الموقف المصرى مكنت القاهرة من تحويل المعبر من ممر للأفراد إلى ممر للشاحنات الحاملة للمساعدات الغذائية والدوائية ومواد الإغاثة المختلفة، ومع تطور الأوضاع قررت مصر إنشاء مراكز إيواء متقدمة لتقديم الدعم الطبى والإغاثى من داخل القطاع وهى مهمة كانت شبه مستحيلة، إلا أن مصر تمكنت من تنفيذها باقتدار وحكمة غير مكترثة بأصوات سخيفة وجاهلة حاولت تشويه الموقف المصرى بهدف تعطيله وتجميده، وأنا شخصيا لم أتفاجأ حينما سمعت ممثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية يردد ما تقوله تلك الأصوات الجهولة والصادرة من أذرع إعلامية تتبع الجماعة الإرهابية، عن تعطيل مصر للمساعدات، فكلاهما يعادى مصر ولا يريد أن ترى الدولة الفلسطينية النور يومًا ما، إسرائيل تسعى لتصفية القضية، والإخوان يتاجرون بها.

التنظيم الإرهابى حول القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية دينية، وهو ما ساعد إسرائيل على تجميد عملية السلام ووقف تبادل الأراضى وفق صيغة الأرض مقابل السلام، تعطل المسار السياسى وتحول الجهد الفلسطينى الدبلوماسى إلى تسليح مليشيات وحرب عصابات دفع بالقضية الفلسطينية سنوات الى الوراء وحَوَّل ما تبقى من أراضٍ تصلح لإقامة الدولة الى مسرح لعمليات الاستيطان، استغلت إسرائيل عمليات القتل المُتبادلة فى دفن ما تبقى من عملية السلام والتراجع عن تعهداتها ومهدت الطريق أمام استمرار الانقسام الفلسطينى.

ولوجه الله والحقيقة تمسكت مصر بثوابتها تجاه القضية الفلسطينية وهى: 

 أن مصر لن تتخلى عن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية 

 رفضت مصر كل المحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية وآخرها مخطط التهجير القسرى لسكان قطاع غزة باتجاه سيناء وإفقاد الدولة الفلسطينية آخر قطعة أرض متماسكة يمكن أن تشهد إنشاء الدولة.

 تمسكت مصر بالتفاوض مع كل الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام وتوحيد الصف والعودة الى طاولة المفاوضات .

 التمسك بخيار السلام باعتباره السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية 

هذه المحددات المصرية اصطدمت بتعنت إسرائيلى وانقسام فلسطينى وتحرك قوى إقليمية للسيطرة على القرار الفلسطينى واستخدام فلسطين كورقة تفاوض مع إسرائيل وداعميها الدوليين.

وبمرور الوقت تغيرت قواعد اللعبة واصبحت المليشيات تتحكم فى القرار بل وتقرر الحرب وتفرض فاتورتها الباهظة على الجميع بما فيها دول الجوار ومصر فى القلب من كل ذلك.

ولأن قدر الكبار تحمل المسئولية فى الأوقات الحرجة، لم تتراجع مصر رغم التأثير السلبى والكارثى للأحداث على الاقتصاد المصرى عن دعم الأشقاء، وانطلقت المساعدات المصرية الى داخل القطاع بلا توقف، وتحملت مصر صلف الجانب الإسرائيلى المسئول عن الجانب الآخر وتعنته فى كثير من الأحيان لتعطيل المساعدات المصرية، إلا أن القاهرة قاومت كل ذلك وقدمت للقطاع كل المساعدات الممكنة.

وكان أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة فى زيارته الأخيرة للمعبر منصفًا حينما تحدث فى كلمته نصًا عن تأثره بسخاء وتضامن مصر والشعب المصري مع غزة وأنه لا يوجد ما يبرر تعرض الشعب الفلسطينى للعقاب الجماعى وأنه قد حان الوقت لإسكات المدافع.

وقال إنه شاهد صفًا طويلًا من شاحنات الإغاثة الممنوعة من الدخول على جانب من البوابات ودعا إسرائيل إلى الالتزام الصارم بدخول المساعدات وإيصالها لكل أنحاء غزة.

كلمات غوتيريش أنصفت مصر وكشفت زيف الادعاءات الإسرائيلية - الإخوانية ودعمت التحركات المصرية باتجاه إجبار إسرائيل والفصائل على وقف إطلاق النار من اجل الإنسان الفلسطينى الذى يتعرض لعملية إبادة ظالمة وانحياز عالمى أعمى اصطف خلف المحتل.

تصلنى قصص إنسانية مؤثرة قادمة من المعبر الذى أجادت «القاهرة الإخبارية» فى نقل نبضه للعالم وتوضيح حجم الجهد المصرى فى تقديم مختلف المساعدات الى الأشقاء دون تمييز، كما حرصت مصر على استمرار العمل فى المعبر طول أيام عيد الفطر حيث عبرت مئات الشاحنات الحاملة للمساعدات الغذائية والغاز من معبرى رفح وكرم أبو سالم، واستقبلت المستشفيات المصرية المصابين الفلسطينين وقدمت لهم الرعاية الطبية اللازمة.

لم يتوقف الدعم المصرى عند تقديم المساعدات فقط ولكن امتد الى تقديم الدعم المعنوى للأسر الفلسطينية، حيث استقبلهم الرئيس السيسى ورحب بهم فى الاحتفال بالعيد مع أسر شهداء القوات المسلحة والشرطة بالعاصمة الادارية، وكلمات الرئيس الواضحة والمشددة على ان فلسطين قضيتنا ولن نتخلى عنها.
تواصل مصر الليل والنهار من أجل وقف إطلاق النار، وتمكنت من تغيير الخطاب الغربى المساند لإسرائيل وأصبحنا نسمع عن تحولات فى الموقف الأمريكى والأوروبى باتجاه الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار وصلت إلى حد التهديد بقطع المساعدات فى حالة اقتحام مدينة رفح الفلسطينية.
لا شك أن استمرار سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو والقائمة على ارتكاب المذابح بحق العزل والتجويع تعويضًا عن الفشل العسكرى، يعرض المنطقة لخطر شديد ينطلق من داخل اسرائيل نفسها ويكفى أن أذكرهم بكلمات محمود درويش فى قصيدته بطاقة هوية حينما قال: 
سجل برأس الصفحة الأولى 

أنا لا أكره الناس 

ولا أسطو على أحد 

ولكنى إذا ما جعت 

آكل لحم مغتصبى 

حذار حذار من جوعى 

ومن غضبى .

ومصر لن تسمح بتجويع غزة ، أبدًا .

قوة الموقف المصرى مكنت القاهرة من تحويل المعبر من ممر للأفراد إلى ممر للشاحنات الحاملة للمساعدات الغذائية والدوائية ومواد الإغاثة المختلفة.

لم يتوقف الدعم المصرى عند تقديم المساعدات فقط ولكن امتد إلى تقديم الدعم المعنوى للأسر الفلسطينية، حيث استقبلهم الرئيس السيسى ورحب بهم فى الاحتفال بالعيد مع أسر شهداء القوات المسلحة والشرطة بالعاصمة الإدارية.