الحرب على غزة أكثر دموية فى مجال المساعدات الإنسانية

إحدى سيارات عمال الإغاثة فى المطبخ المركزى العالمى بعد استهدافها فى غزة
إحدى سيارات عمال الإغاثة فى المطبخ المركزى العالمى بعد استهدافها فى غزة

 عندما أطلق الجيش الإسرائيلى ثلاثة صواريخ على قافلة إنسانية تديرها مؤسسة «وورلد سنترال كيتشن» الخيرية الدولية الرائدة-مما أسفر عن مقتل سبعة من عمال الإغاثة أغلبهم من الرعايا الأجانب-أثار ذلك استجابة عالمية كبيرة .

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى وصف الهجوم على القافلة بأنه غير مقصود، عن أسفه لخسارة أرواح بريئة ووصفها بأنها «حالة مأساوية»، مضيفا: «هذا يحدث فى زمن الحرب».

وهو تبرير غير صحيح تماما . فرغم ان عمال الإغاثة العاملين فى مناطق الحرب يقومون بذلك فى ظل ظروف خطيرة، فإن هناك بروتوكولات معمولا بها لضمان سلامتهم.

ويشمل ذلك التنسيق مع الجيش الإسرائيلى من أجل تحقيق ما يشار إليه باسم «منع التصادم»، وهو نظام تقوم من خلاله منظمات الإغاثة بإخطار القوى العسكرية المعنية والحفاظ على اتصالات منتظمة معها حول مكان وجودها ومناوراتها لتجنب التعرض للهجوم.

وأكد المطبخ المركزى العالمى أن موظفيه كانوا يسافرون فى منطقة منزوعة السلاح فى سيارتين مصفحتين ومركبة ثالثة عندما وقع الهجوم على قافلتهم. وأظهرت لقطات مصورة بعد الحادث إحدى المركبات مع وجود ثقب كبير فى سقفها، حيث بدا أن الذخيرة اخترقت مباشرة شعار المؤسسة الخيرية المعروض بشكل بارز. ووصف الرئيس التنفيذى لشركة «وورلد سنترال كيتشن» إيرين جور، الهجوم بأنه «لا يغتفر».

الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة أثبتت أنها واحدة من أكثر الحروب دموية بالنسبة للعاملين فى مجال المساعدات الإنسانية. فمنذ أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة قتلت ما لا يقل عن 203 من عمال الإغاثة، وفقًا لقاعدة بيانات أمن عمال الإغاثة، التى تتعقب الهجمات على عمال الإغاثة الإنسانية فى جميع أنحاء العالم. وهذا الرقم أعلى من العدد الإجمالى لوفيات عمال الإغاثة التى تحدث عادةً سنويًا فى جميع أنحاء العالم..

يقول آرفيند داس، قائد فريق لجنة الإنقاذ الدولية لأزمة غزة ومقرها الولايات المتحدة، لمجلة تايم إنه فى حين أن عمال الإغاثة العاملين فى مناطق الصراع يُتاح لهم عادة الوصول الآمن والممرات لتقديم الخدمات الأساسية المنقذة للحياة، فإن مثل هذه الضمانات كانت غائبة عن إسرائيل..

وفى غزة، حيث أصبح استهداف عمال الإغاثة عملا متعمدا أكثر من كونه خللاً. كانت هناك حالات متعددة تم فيها استهداف المنظمات وموظفيها من خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما فى ذلك غارة جوية شبه مميتة استهدفت داس.

فى 18 يناير ومجموعة من الأطباء فى مهمة طبية مزدوجة بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فى غزة عندما تعرض مجمعهم السكني، الذى يقع داخل منطقة آمنة محددة فى بلدة المواصى الساحلية، لقصف صاروخي. وكان الأطباء بداخلها. وبينما كانت المجموعة محظوظة بالهروب بإصابات فقط، قال داس إنه كان من الممكن أن تنتهى الأمور بشكل مختلف بسهولة. وبعد مرور ثلاثة أشهر، لم يقدم الجيش الإسرائيلى أى تفسير لاستهداف الأطباء ، رغم مشاركة إحداثياته مع السلطات الإسرائيلية من خلال عملية فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة. يقول داس «إنها ليست مجرد حادثة لمرة واحدة. وهذا هو ما يثير القلق للغاية.»

فالتهديدات لا تلحق عمال الإغاثة فقط بل تمتد لفئات أخرى . فقد قتلت اسرائيل ما لا يقل عن 95 صحفياً منذ بداية حربها على غزة ، وفقاً للجنة حماية الصحفيين، وهى الفترة الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ أن بدأت المنظمة غير الحكومية فى تعقب الضحايا فى عام 1992.

وتتعقب اسرائيل ايضا العاملين فى مجال الرعاية الصحية. قالت كريستينا ويلي، مديرة منظمة الأبحاث الإنسانية Insecurity Insight، لمجلة تايم أن منظمتها حددت مكان وتاريخ وفاة ما لا يقل عن 176 من العاملين فى مجال الرعاية الصحية قتلهم اسرائيل فى غزة، وتعتقد أن الرقم الحقيقى يتجاوز 450 عاملا.

وقال عمر شاكر، مدير مكتب فلسطين فى هيومن رايتس ووتش، لمجلة تايم:  إن لدى الحكومة الإسرائيلية سجلاً يمتد لعقود من ارتكاب انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، بما فى ذلك جرائم الحرب ، مشيراً إلى أن هيومن رايتس ووتش وثقت حالات من الانتهاكات غير القانونية. الغارات الجوية العشوائية، فضلاً عن الهجمات على المستشفيات وسيارات الإسعاف..

ورغم ان الهجوم القاتل على قافلة المطبخ المركزى العالمى أدى لزيادة الاهتمام الدولى بسلوك الحرب الإسرائيلية فى غزة، التى دخلت شهرها السادس الأسبوع الماضي. فإن الأمر الواضح هو أن الفلسطينيين العاديين فى غزة سوف يدفعون الثمن الباهظ لهذه المأساة. وقد كان للهجوم بالفعل أثر سلبى على الجهود الإنسانية فى غزة.

فإلى جانب انسحاب المطبخ المركزى العالمى من غزة، أعلنت جمعيتان خيريتان أخريان، أنيرا ومشروع الأمل، أنهما ستوقفان عملياتهما فى غزة مؤقتًا حتى إشعار آخر-وهو القرار الذى سيكون له تأثير مدمر على السكان الذين يواجهون مجاعة وشيكة، إن لم تكن موجودة بالفعل. وهو شئ لايبشر بالخير وصفها داس، من لجنة الإنقاذ الدولية «بانه أمر مفجع، و مخز للغاية وعار علينا جميعا».
سميحة شتا