خطوط حمراء

محمود بسيوني يكتب: الخيانة والقتل.. منهج تنظيمات الإرهاب الثابت من الحشاشين إلى الإخوان

محمود بسيوني
محمود بسيوني

■ بقلم: محمود بسيوني

تتصاعد الأحداث فى مسلسل الحشاشين وتبدع الدراما فى رسم صورة شديدة الوضوح لقلب وعقل وروح تنظيمات الإرهاب والتطرف والقتل، صورة ثلاثية الأبعاد للقتلة الأوائل فى قلعة آلَموت، الدراما حولت أحداث التاريخ القديم إلى شخصيات من لحم ودم تفاعلت معها الناس حول العالم، تشم رائحة الحشيش وترى الحوريات فى جنة حسن الصباح المزعومة، قدم التاريخ تشريحا مفصلا لعصابة القتلة الأمر يبدأ من المظلومية وينتهى بالخيانة والقتل حتى أقرب الناس لن يسلموا من الأذى ولن تحميهم صلة الدم.

وصلت دراما الحشاشين إلى مراكز الأبحاث الغربية وبدأت الملفات التاريخية تعود للواجهة مرة أخرى فى الجماعات الأمريكية والإعلام الغربى، وخصصت قنوات أوروبية كبرى سعات تغطية للمسلسل الفائز بعملية زراعة الوعى فى دراما رمضان 2024 وهو عمل درامى متماسك وقوى يحسب فى سجل شرف أعمال الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

نجحت دراما عبد الرحيم كمال وكاميرات بيتر ميمى فى دفع المشاهد العربى الى الانغماس الكامل فى القصة التاريخية، ومراقبة تحرك الشخصيات داخل مجرى الأحداث والعقل يربط بين ما يراه فى الماضى وبين الواقع القريب، وأصبحنا أمام سياق عام رابط بين القتلة الأوائل وبين عصابات الإرهاب التى أذاقت منطقتنا الفوضى وغياب الأمن والتراجع الاقتصادى ومن ثم انتشار الفقر و العوز.

يتخلى الفرد داخل تلك التنظيمات عن شرفه وإنسانيته، وقبل ذلك عن دينه ويرسم له الشيطان طريق الخلاص بممارسة القتل حتى ضد أقرب الناس له، الطريق الى الجنة المزعومة يمر بالخيانة ولا ينتهى عند قتل المخالفين له فى الرأى أو المعتقد، رأينا حسن الصباح يقتل ابنه ويخون أعز أصدقائه ورأينا حسن البنا يرسم لأتباعه سلما من الجماجم من اجل الصعود الى جنته المزعومة .

من أجل ذلك وضعت الجماعة المسلسل هدفا للتشويه، الا أن محاولتها فشلت وتحولت إلى الجانب المضاد واستخدمت الأجيال الجديدة محركات البحث من اجل التأكد من وقائع التاريخ .. أجمع المؤرخون على أن جماعة «الحشاشين»، وضعت نهجا محددا فى التعامل مع الخصوم على الرغم من كونهم مسلمين وعلى نفس العقيدة، وهو «القتل والغدر»، وهو ما فعله حسن الصباح مع أقرب أصدقائه الوزير نظام الملك فى 16 ديسمبر 1092 (485 هـ) بعد أن أرسل إليه فدائيا متنكرًا فى ملابس رجل صوفى فطعنه طعنة غادرة. 

تقول الرواية التاريخية إن حسن الصباح نصب شباكه وفخاخه لاصطياد هدف كبير مثل نظام الملك لكى يشتهر ويذيع صيته وهو من أرسى أسس الفدائية، وبعدما نجحت العملية قال حسن الصباح: «قتل هذا الشيطان هو بداية البركة». 

وكان اغتيال نظام الملك، من أولى عمليات الاغتيال الكبرى التى قام بها الحشاشون وكانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات، ونهج تم وضعه سار عليه جماعات أخرى مثل «الإخوان وداعش والقاعدة»، وغيرها من الجماعات المتطرفة التى انتشرت فى العالم الإسلامى وأعطت لنفسها حق القتل باسم الدين.
على طريقة الحشاشين.. الإخوان تقتل النقراشى

ويذكرنا اغتيال حسن الصباح لنظام الملك، بتورط الجماعة الإرهابية فى اغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر فى عام 1948.

يوسف ندا، القيادى التاريخى للإخوان اعترف فى كتابه «من داخل الإخوان المسلمين»، أنه فى صباح 28 ديسمبر 1948، كان النقراشى، يدخل مبنى وزارة الداخلية بالقاهرة، متجها إلى المصعد ومعه حراسه، كان قاتله متنكرا فى زى ملازم أول بالشرطة، وكان جالسا منتظرا وصول «النقراشى» فى بهو المبنى، وعندما دلف النقراشى إلى البهو وقف ذلك الشاب مؤديا له التحية، ثم تبعه نحو المصعد، وهناك أخرج من جيبه مسدسا، وأطلق 6 طلقات، أصابت خمس منها النقراشى باشا، وقتل فى الحال.

وفى محاكمة عامة وقف حسن الصباح بجبروته ونرجسيته التى عرف بها، باعتباره المكلف من الله والإمام لنشر الدعوة، وهو يحاسب ابنه ويحاكمه بعد أن قتل أحد الدعاة، وبدلا من أن يقيم الحد عليه باعتباره قاتلا، أقام عليه الحد لأن نجله رفض العفو منه.

ورغبة من الصباح فى الحفاظ على حكمه، وإظهار نفسه كأنه العدل يطبق الحكم حتى على ابنه، قرر قتل ولده قائلا: «ليقضى الله أمرا كان مفعولا»، ليسقط ولده مقتولا على يد الحارس بالسيف أمام عينيه.

لم يكتف حسن الصباح بقتل صديقه المقرب نظام الملك، ولا بقتل ابنه للحفاظ على مكانته وهيبته فقط، بل قرر قتل رفيق الدعوة زيد بن سيحون، ذلك الرجل المقرب الذى علم بحقيقة حسن الصباح المخادع، فقرر التخلص منه تمهيدا لتوريث دعوته وحكمه إلى ابنه الهادى.

وبدلا من أن ينكر حسن الصباح الجريمة التى ارتكبها فى بداية الدعوة، بقتل مؤذن أصفهان وزوجته بيد زيد بن سيحون، اعترف بها بل وأخبر ابنهما يحيى بأن قتل والديه لكفرهما بدعوته.

وضعت جماعة الحشاشين نهجا جديدا للقتل، فبعد أن كان النهج السائد هو قتل الرافضين للدعوة، أو المعارضين لحسن الصباح وأتباعه، تطور الأمر ووصل إلى الخلفاء والحكام ورأس الدولة، وهو الأمر الذى سار عليه الجماعات المتطرفة من بعدها ونتذكر هنا عملية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

بنفس الفكر والطريق وخصوصا فى عام 524هـ /1130م شهدت الأروقة الفاطمية اغتيال الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله، على يد عدد من النزارية الذين تسللوا من بلاد فارس، وانقضوا عليه بالسكاكين فى جزءٍ من الثانية غفل فيه عنه حرسه الخاص فى أثناء رسوه على إحدى جزر النيل.

• المرشد والإمام
كان الحشاشون اللبنة الأولى التى استقت منها التنظيمات الإرهابية، نهج القتل والغدر، فتشابهت وقائع القتل على مر التاريخ قديما وحديثا بين ما ارتكبه حسن الصباح قبل وبعد صعوده إلى قلعة آلموت ونشر الدعوة النزارية وبين ما فعلته الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الإخوان الإرهابى وداعش والقاعدة والجماعات الصغيرة الأخرى التى ولدت من رحم الجماعة الأم «الإخوان الإرهابية». 

المقاربة الأساسية بين جماعتى الحشاشين والإخوان كان المبدأ الأول فيها هو الولاء والبراء، فالعضو فى الحشاشين أو الإخوان يمنح تفويضا للأمير يحركه كيفما شاء، وليس له أى حقوق، بل عليه السمع والطاعة والانقياد ولذلك فهذه الجماعات هى الأخطر لأنها تعتمد على شخص واحد يحكم مجموعة من البشر بتفويض إلهي، ويمنحهم الجنة المزعومة والخلاص، ويصبح فى نظرهم المنقذ والمخلص.