إنها مصر

وهكذا سفينة الوطن

كرم جـبر
كرم جـبر

عن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".

مضمون الحديث هو أن جماعة من المسافرين ركبوا سفينة فى البحر، وهى ذات طابقين علوى وسفلى، فأجروا بينهم القرعة (استهموا)، فأعطت بعضهم الأعلى ولبعضهم الأسفل، فكان أصحاب الطابق السفلى يصعدون إلى سطح السفينة للأخذ من ماء البحر بواسطة دلائهم (الدلاء جمع دلو)، فكانوا بهذا التنقل صعوداً وهبوطاً، مع السقى وتساقط الماء، يسببون أذى وإزعاجاً لنزلاء الطابق العلوى الذين اشتكوا واعترضوا.

فقال أصحاب السفلى، أو بعضهم: الحل عندنا سهل ميسور، فنحن قريبون من الماء، وما علينا إلا أن نحدث ثقباً، ثم نتناول الماء بلا مشقة ولا عناء، ودون أن نؤذى من فوقنا، وهذا الثقب سيقع فى نصيبنا نحن.

إلى هنا ينتهى المثل المضروب، وتبقى تتمة مفتوحة على عدة احتمالات ومآلات، ملخصها فى التعقيب النبوى الذى هو بيت القصيد: "فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".

وهكذا سفينة الوطن لا ينفع فيها من يريدون الانتقام، بزعم أن ما يفعلونه خاص بهم ولا يلحق الضرر بغيرهم، فيتصرفون وكأنهم وحدهم أصحاب القرار.
يجب وقفهم والضرب على أيديهم ومقاومتهم ومنعهم، لأنهم لا يغرقون وحدهم، بل الوطن كله يدفع الثمن، وفى صدارته الأبرياء والمخلصون الذين لا ذنب لهم.

وانظروا ما تفعله عناصر شاردة من الجماعة الإرهابية، حين تطلق وابلاً من الشائعات، يستهدف إحداث ثقوب فى اصطفاف المصريين فى أوقات الأزمات والتحديات دفاعاً عن سفينة الوطن التى نعيش فيها جميعاً، وعدم حدوث ثقوب فيها.

لا يتركون شيئاً إلا ويثيرون حوله الريب والشكوك، فإذا بنيت مساجد يقولون ولماذا لا نبنى مستشفيات، وإذا شيدت الطرق يقولون ولماذا يتركون أهالى العشوائيات، وإذا نقلتهم إلى مساكن حضارية، يقولون إنها بعيدة عن مساكنهم الأصلية، ولا يعرفون شيئاً اسمه الوطن، ويعتبرونه محطة عبور إلى أطماعهم ونفوذهم وسعيهم إلى خلافتهم على الأرض، فجلبوا لأنفسهم الشقاء.

سفينة الوطن ملك لكل أبناء الوطن، والحفاظ عليها مسئولية المصريين جميعاً، لأنهم إذا أغرقوها - لا قدر الله - فلن يغرقوا وحدهم.