مهند عدلي يكتب: معادلة جذب الاستثمارات.. سوق صرف حر وسعر عملة موحد

مهند عدلي
مهند عدلي

منذ ٢٠١٦ كنت مهتما بمتابعة عملية الاصلاح النقدي وكنت من اشد المدافعين عنها انطلاقاً من اختلاطي الدائم بالمستثمرين الاجانب الراغبين في الاستثمار في قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة والذين يشكل لهم استقرار سعر الصرف عاملا حاسما في اتخاذ قرار الاستثمار سواء بضخ الاموال في مشروعات جديدة او في توسعة استثمارات قائمة بالفعل مع التأكيد علي ان مفهوم الاستقرار النقدي يجب ان يتضمن شقين هما حرية التداول وسعر الصرف الموحد  وشددت في اكثر من مقال وحديث صحفي واعلامي علي ان الاستقرار النقدي القائم علي حرية التداول هو اساس النجاح لأي اصلاحات تالية او استثمارات قادمة ...

ومع نجاح الحكومة في تنفيذ التعويم الكامل مطلع الشهر الماضي وما تلقيته من استحسان عدد من المستثمرين الاجانب اود التأكيد وبصفة عامة علي اننا لسنا في حاجة الي اعادة اختراع العجلة خاصة في القضايا الاقتصادية التي تستند الي فكر وتنظير اكاديمي رصين وتجارب مرت عليها عشرات الاقتصاديات المتنوعة ويأتي علي راسها قضية توحيد سعر الصرف والتي يعتبر من المسلمات ان القوة والملائة المالية لأي عملة وطنية تعتمد علي عنصرين لا ثالث لهما.

اولهما وجود سعر صرف واحد للعملة الوطنية مهما تنوعت استخداماتها بحيث يصبح سعر صرف العملة في البنوك هو نفسه السعر في الصرافات هو نفسه سعر صرف المعاملات الحكومية هو نفسه سعر الصرف في الجمارك والمبادلات المماثلة دون الاخلال بفوارق هوامش اسعار البيع والشراء لكن وفق قاعدة عامة هي سعر الصرف الموحد لان ذلك سيمنع تحول اي عملة مهما كان اهميتها من اداة للتداول الي سلعة تخضع للمضاربات او الاتجار غير المشروع وخلق سوق سوداء كما انه سيوفر للمستثمرين ومخططي السياسات بيئة امنة وقوية لتخطيط عملياتهم واستثماراتهم المستقبلية دون التعرض لمخاطر الخسائر بفعل المضاربات علي اسعار العملات وبالتالي استمرار تدفق الاستثمارات الاجنبية سواء المباشرة او غير المباشرة واضفاء مزيد من القوة لسوق الصرف المحلي والعملة المحلية .

المبدأ الثاني هو حرية التداول بمعني عدم وجود موانع تعوق التحول من عملة لأخري او فتح اعتمادات مستندية بها او اجراء تحويلات محلية او دولية باي عملة فضمان حرية التداول في اطار قانوني واضح وملزم وشفاف هو استكمال للمبدأ الاول وتأكيد علي ضمان حقوق المستثمرين الاجانب في استرداد اموالهم او تحويل ارباحهم فمن الحقائق الراسخة والتي لا عيب فيها ان راس المال جبان وضمان حريته سيضمن استقراره كلاعب مهم في عملية التنمية الاقتصادية من ناحية وعنصر اضافي لقوة سوق العملة من ناحية ثانية .

كما ان حرية التداول ستكون هي الضامن الفعلي لمنع اي مضاربات في اي عملة او تحول العملات الاجنبية الي ادوات استثمار في حد ذاتها وعدم الوقوع في فخ الدولرة او فخ توالي ازمات العملة التي عادة ما يكون لها اثار مدمرة علي الاقتصاد الحقيقي.

ومع اعمال هاذين المبدأين يجب ان يكون هناك ادراك بان العملة هي من الادوات المالية او وفق التعبير الاقتصادي اهم ادوات تنفيذ السياسات النقدية والمالية وهي بالطبع تؤثر وتتأثر بالاقتصاد الحقيقي وما يمثله من حجم ومعدل نمو وايرادات بالعملات الاجنبية وموقعه من الاقتصاد العالمي استيرادا وتصديرا وتسويات ميزان المدفوعات بين الدول.

ورغم ذلك فان خفض قيمة العملة لا يرتبط بالضرورة بضعف الاقتصاد الحقيقي الذي اذا ما امتلك عناصر القوة التصديرية تحولت العملة الي مجرد اداة تساعد في تحقيق المزيد من القوة الاقتصادية لكن في حالة ضعف الاقتصاد الحقيقي وانخفاض مجالاته التصديرية هنا نكون امام مشكلة مزمنة واحتياج دائم للعملة الأجنبية يحولها للأسف من مجرد ادة الي سلعة مضاربة تهدد اداء الاقتصاد الحقيقي اذا لم يتم الالتزام بهذه المبادئ الاساسية الي حين زيادة الصادرات بما يتجاوز الاحتياجات الاستيرادية.

ولعل ابرز الامثلة هنا هو الصين فانخفاض عملتها المحلية هو اداة من ادواتها الهامة في اختراق الاسواق بحجم مهول من الصادرات وتدفقات مليارية من عوائدها بكل عملات العالم حتي اصبحت الصين بفضل هذه العوائد اكبر مالك اجنبي لديون الولايات المتحدة الامريكية حيث تحوز الحكومة الصينية سندات امريكية بحوالي ٨٥٠ مليار دولار ...

ولعل هذه الحالة هي ما دفعت الادارات الامريكية منذ الازمة العالمية في ٢٠٠٨ الي الضغط علي الحكومة الصينية لرفع قيمة عملتها امام الدولار وقد ظل هذا البند حاضرا في جميع المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة علي مدار العقد الماضي ومكافحة الصين في عدم الاستجابة له لان انخفاض قيمة العملة الصينية هو احد ادوات قوتها الاقتصادية بحجم صادراتها الهائل لكافة الاسواق في امريكا و اوروبا واسيا وافريقيا واي رفع لقيمة العملة سيؤثر علي خطط العملاق الصيني التوسعية علي الساحة الدولية خاصة في الدول النامية والقارة الافريقية التي تعتبر المنجم الخلفي للألة الصناعية الصينية العملاقة.

ومع الاشادة بجرأة البنك المركزي المصري في تحقيق التحرير الكامل لسعر الصرف والقضاء علي السوق الموازية فإننا يجب التأكيد علي ان الاصلاح النقدي  ما هو الا طلقة البداية ولازال امامنا مشوار طويل من الاصلاح الهيكلي الحتمي والضروري خلال الفترة القادمة وهو ما سنتناوله في اللقاء القادم بإذن الله.