فى الصميم

بين حماقات نتنياهو.. وتناقضات أمريكا!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، ورغم أن الرئيس الأمريكى بايدن وضع منذ اللحظة الأولى كل إمكانيات أمريكا لخدمة هذه الحرب.. فإن «نتنياهو» كان يضع مخططاته على أساس الصدام مع «بايدن» حتى لا يضع قيوداً على حرب أرادها أن تكون بابًا لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال غزة، وحتى يكون أمام جماهيره الرجل الذى يحقق لليمين المتطرف أهدافه حتى لو اصطدمت بسياسة أمريكا، وحتى يرد على انحياز الإدارة الأمريكية للمعارضة الإسرائيلية قبل الحرب وعلى خليفة محاولة نتنياهو السيطرة على القضاء ليهرب من المحاكمة عن تهم الفساد والاحتيال، وليستكمل سيطرة اليمين المتطرف الذى يقوده على كل مؤسسات الدولة.

وهكذا.. رفض نتنياهو كل المطالب الأمريكية بشأن دخول المساعدات أو التمادى فى قتل المدنيين، واعتبر الحديث عن «الدولة الفلسطينية» خروجا على التحالف الأمريكى والإسرائيلي، ثم انتهى إلى أنه سيواصل الحرب وسيقتحم «رفح» ولو رفضت أمريكا!!

ليكون الرد الأمريكى هو تمرير قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وهو ما أفقد نتنياهو صوابه رغم إعلان أمريكا أن القرار غير ملزم «!!» لأنه يدرك رسالة أمريكا له - من خلال هذا القرار- ويفهم عواقبها!!

وبدلاً من إعادة الحسابات، مضى نتنياهو فى التحدي، وأعلن إلغاء سفر الوفد الإسرائيلى الذى كان قد اتفق على إرساله مع بايدن لبحث مقترحات أمريكا بشأن «رفح» اتخذ هذا القرار رغم أنه يعرف أن مهمة الوفد محكوم عليها بالفشل بعد إعلانه أن اقتحام رفح سيتم ولو بدون موافقة أمريكا، ورغم الاعتراض الكبير داخل إسرائيل خوفاً من عواقب الصدام مع واشنطون على العلاقة الإستراتيجية التى لا يمكن لاسرائيل الاستغناء عنها.. لكن يبدو أن حسابات نتنياهو كانت فى اتجاه آخر كان حريصا على رضا بن غفير وسيموتريش ليبقى فى موقعه، وكان أكثر حرصا على استمرار الحرب بأى ثمن، وكان رهانه - كما أعلن بنفسه - أن غالبية الأمريكيين تؤيده رغم الانتقادات التى سمعها من قيادات كبيرة مثل «شومر» ورغم تنامى الغضب الشعبى ضد سياسات إسرائيل.

فى آخر استطلاع للرأى تم إجراؤه فى الفترة من أول مارس حتى العشرين منه كانت النتائج تشير إلى تغييرات حاسمة فى الرأى العام الأمريكي.

قال ٥٥٪ إنهم ضد الحرب فى غزة، ورغم ان غالبية الجمهوريين مازالت تؤيد العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإنها لا تحظى إلا بتأييد ٢٩٪ من المستقلين و١٨٪ فقط من الديموقراطيين.. وهى أرقام تؤكد حجم الخسائر التى سببتها سياسة نتنياهو والعزلة التى تعيشها إسرائيل حتى فى أمريكا بعد أن تحولت إلى كيان منبوذ تطارده العدالة الدولية، ويسىء حتى لأقرب حلفائه.. وربما آخرهم!!

نتائج الاستطلاع الأخير نشرت بينما كان وزير دفاع إسرائيل فى أمريكا يحاول ترميم العلاقات وصفان الحصول على السلاح الأمريكى الذى لا غنى لإسرائيل عنه، ومع أنباء تراجع نتنياهو و الادعاء بأن إعلانه إلغاء زيارة الوفد الإسرائيلى لبحث قضية «رفح» مع الأمريكيين كان انذاراً لحماس وليس لأمريكا «!!» وذلك تمهيداً للعودة عن القرار وإرسال الوفد، وربما الاعتذار عن الهجوم من نتنياهو على الاتهامات التى وجهها لإدارة بايدن بعد تمرير قرار مجلس الأمن الذى مررته أمريكا ثم منعت تنفيذه!!

يتراجع نتنياهو لأن المؤسسات التى تحكم إسرائيل بالفعل قد تتسامح مع الكثير من حماقاته، لكنها لن تسمح بالمساس بالعلاقة الأساسية مع الراعى الأكبر للإرهاب الإسرائيلي. التغيير الحقيقى يأتى فقط حين تدرك أمريكا من رد الفعل العربى والعزلة الدولية أن مصالحها فى خطر حقيقى وأن إسرائيل قد تحولت إلى عبء فوق الاحتمال!