استقطاب دولى يلقى بظلاله على استمرار حرب غزة وأمد الحل فى ليبيا والسودان

جرائم إسرائيل تغطي على تعقيدات الصراعات العربية الداخلية

نزوح الفلسطينيين هرباً من العدوان على غزة
نزوح الفلسطينيين هرباً من العدوان على غزة

■ كتب: أحمد جمال

ألقى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذى دخل شهره السادس على الصراعات القائمة فى الدول العربية وفى مقدمتها الحرب الدائرة فى السودان والتى اقتربت من نقطة الصراع الأهلي، وكذلك الأزمة الليبية التى تراوح مكانها منذ سنوات دون القدرة على الوصول إلى حل يمكن أن يتوافق عليه الليبيون بشأن إجراء الانتخابات بما يضيق الخناق على مساعى التقسيم الخبيثة، وهو الأمر الذى يترك المنطقة العربية أمام احتمالات مفتوحة من العنف قد تصل مداها إلى بقاع جغرافية أخرى لتترك تأثيراتها السلبية على السلم والأمن الدوليين.

◄ حرب غزة غطاء لقوى إقليمية تسعى لتحسين وضعيتها مع تنامى التوترات الدولية

ويشكل الاستقطاب الدولي الحالى بين الولايات المتحدة والدول الغربية واليابان من جانب وبين الصين وروسيا على الجانب الآخر أحد أبرز الأسباب التى تساهم فى استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة إذ يجد الاحتلال الفرصة المواتية للتهرب من أى ضغوط دولية طالما أن المجتمع الدولى منقسم على ذاته فى ظل أجواء تشير لإمكانية توسع الصراعات الحالية أو تحول هذا الاستقطاب إلى صراع عسكرى مباشر أو غير مباشر فى بقاع مختلفة.

يمكن القول بأن حرب غزة يتم توظيفها كغطاء لحين يتمكن كل طرف من تحسين وضعيته، إذ إن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات وبحاجة لتسليط الأضواء على ما يحدث من جرائم إسرائيلية فى القطاع تجذب اهتمامات العالم جراء بشاعتها وتجاوزها كافة المبادئ الإنسانية والحقوقية، ويبدو ذلك واضحًا حينما تقدمت بمشروع قرار فى مجلس الأمن تضمن الحديث عن وقف إطلاق النار دون أن يدعو صراحة إليه ودون أن يطالب إسرائيل بوقف جرائمها ما يشير لرغبة فى استهلاك مزيد من الوقت استعداداً لتطورات أخرى لم تبرز بعد على الساحة.

◄ الصراعات الأخرى
وإذا كان العدوان الإسرائيلى على غزة قد جذب كل هذا الاهتمام الدولى فإن الصراعات الأخرى المستمرة أيضَا أخذت فى التراجع بالتبعية، تحديداً وإذا كنا نتحدث عن صراعات فى ظاهرها داخلى ويمكن التسويق إليها باعتبارها شأنًا محليًا يمكن حله عبر التفاهمات الداخلية بين الجهات المتصارعة، وهو ما يظهر تحديداً فى الأزمة السودانية إذ إن منبر جدة الذى كانت الولايات المتحدة الأميركية شريكًا رئيسيًا فى رعايته غاب عن المشهد منذ شهر أكتوبر الماضي، وهو نفس التوقيت تقريبًا الذى اندلعت فى حرب غزة، وكان من الممكن ممارسة ضغوط أكبر على الأطراف المتحاربة للجلوس على طاولة المفاوضات مجدداً لكن ذلك لم يحدث.

ويراوح الصراع بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع مكانه على المستوى السياسى ويأخذ فى التطور على المستوى العسكرى على الأرض وبعد أن سرعت ميليشيات الدعم السريع من تحركاتها للسيطرة على عدد من الولايات تحديداً فى إقليم دارفور غربًا ووصولها إلى ولاية الجزيرة بالوسط، إلا أن الجيش السودانى استطاع أن يأخذ زمام المبادرة ليستعيد عدة مناطق سبق أن سيطر الدعم السريع عليها فى مدينة أم درمان إحدى ولايات العاصمة الخرطوم.

وتلعب مصر ودول عربية وأفريقية أخرى جهودًا فاعلة لمحاولة دفع الأطراف السودانية إلى طاولة الحل السياسى وإنهاء الحرب التى تدخل عامها الأول لتخلف وراءها أكثر من 12 ألف قتيل وآلاف المصابين إلى جانب حركة النزوح الضخمة التى قادت لوصول مئات الآلاف من السودانيين إلى مصر، فيما تترك الحرب آثاراً سلبية ليس فقط على مصر التى تعد أهم دولة جوار للسودان لكن أيضًا بالنسبة للدول التى لديها حدود شاسعة مع السودان وكذلك منطقة القرن الإفريقى فى ظل مخاوف من نشاط محتمل للعناصر الإرهابية الخاملة.

الوضع لا يختلف بالنسبة لتطورات الصراع فى ليبيا، ورغم المساعى المصرية الحثيثة للاتفاق على تشكيل حكومة موحدة وتوحيد مؤسسات الدولة الرئيسية وإنهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية، وهو أمر أثبته الاجتماع الثلاثى الذى استضافته القاهرة أخيراً وضم رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسى محمد المنفي، إلا أن الأزمة مازالت تراوح مكانها ولم تستطع الأطراف الليبية اتخاذ إجراءات من شأنها تنفيذ التفاهمات الكلامية التى جرى التوصل إليها فى كثير من المؤتمرات والاجتماعات الدولية والإقليمية.

◄ حرب غزة
وقال الدكتور أحمد قنديل، رئيس وحدة الدراسات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن حرب غزة تلقى بظلالها من المنظور العالمى والإقليمى على أساس حجم الخسائر البشرية والمادية الفادحة بعد  أن خلفت حتى الآن 32 ألف شهيد وأكثر من 75 ألف جريح وتركت 17 ألف يتيم وهو كم خسائر بشرية غير مسبوقة فى العقود الماضية، كما أن الحرب معرضة لأن تشهد أكبر كارثة بشرية إذا ما قرر الاحتلال الإسرائيلى اقتحام مدينة رفح الفلسطينية التى يكتظ بها أكثر من مليون ونصف مليون نازح وفى ظل فشل دبلوماسى دولى فى التعامل مع الأزمة الراهنة.

وأوضح أن استمرار الحرب فى غزة يرفع احتمالات التصعيد العسكرى سواء كان ذلك فى الأراضى الفلسطينية المحتلة أو فى المنطقة العربية بوجه عام، وهو ما بدأت بوادره تظهر من خلال الهجمات الحوثية فى مدخل البحر الأحمر وكذلك الهجمات على القوات الأميركية فى سوريا والعراق، وهو ما يجذب انتباه العالم بعيداً عن الصراعات التى تبقى فى مكانها سواء فى السودان أو ليبيا، مشيراً إلى أن مصر مازال لديها الاهتمام ذاته بهاتين الأزمتين إلى جانب تطورات العدوان فى غزة الذى تأثرت به البلاد بسبب تراجع معدلات المرور فى قناة السويس.

وشدد على أن الاهتمام بحرب غزة يأخذ أبعادًا أكبر فى بعض الدول ويتراجع فى دول وبقاع جغرافية أخرى على حسب مصالح كل دولة، لكن تبقى القضية الفلسطينية صاحبة التأثير والاهتمام الأكبر نتيجة لوضعية القدس الشريف وكمية المذابح التى يرتكبها الاحتلال، كما أن التركيز الإعلامى على تلك الأزمة انعكس على معدلات اهتمامات الرأى العام بها لكن على المستويات الرسمية وأجهزة جمع المعلومات فإن الثلاثة صراعات تحظى بنفس الاهتمام.

غير أن قنديل لفت أيضًا إلى أن كل أزمة من الصراعات الثلاثة لديها ديناميكيتها الداخلية وتعقيداتها الدولية، وبالتالى فإن عدم القدرة على الوصول إلى حلول فى السودان أو ليبيا ليس سببه حرب غزة لكن الأمر يرجع لأبعاد أخرى فى مقدمتها عجز مجلس الأمن الدولى فى التعامل مع تلك الأزمات إلى جانب الانقسام الحاد بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب والصين وحلفائها على الجانب الآخر، بل إنه يتم توظيف تلك الصراعات لتحقيق مصالح جيواستراتيجية لهذين القطبين، وهو ما يضع العالم أمام حرب باردة جديدة سوف تساهم فى مزيد من تعقيد الأزمات الراهنة وليس الوصول إلى سبل حلها أو تهدئتها.

◄ مجلس الأمن
وفشل مجلس الأمن، فى إصدار مشروع قرار طرحته الولايات المتحدة يطالب بـ»الضرورة القصوى للتوصل إلى وقف فورى ومستدام لإطلاق النار فى غزة»، بعدما استخدمت روسيا والصين، العضوان الدائمان بالمجلس «الفيتو» ضده.

وجاءت نتيجة التصويت على مشروع القرار بتأييد 11 دولة واعتراض 3 أخرى، هى «روسيا والصين والجزائر»، وامتناع عضو بالمجلس عن التصويت.

◄ مسائل معقدة
وقال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن حجم الجرائم التى ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى الأعزل يساهم فى أن تتصدر القضية المشهد الدولي، كما أن هناك رغبة لدى قوى مهيمنة بأن تستمر الصراعات والحروب بما يساهم فى رواج صفقات الأسلحة التى تشكل جزءًا رئيسيًا من اقتصادات الدول الكبرى، وهو ما يجعلنا أمام أوضاع دولية يلعب فيها السلاح وليس الدبلوماسية دوراً فاعلاً فى تغذية النزاعات.

وأوضح أن الصراعات فى السودان وليبيا معقدة للغاية وبخاصة الأولى التى يتحول فيها الصراع إلى حرب أهلية فى ظل صعوبات فى القدرة على السيطرة على مقاليد الدولة بفعل التمرد الذى يواجهه الجيش، ورغم أن السودان يعد بلداً زراعيًا لكنه يعانى أزمات اقتصادية جمة ويصبح دولة أسيرة لمطامع دول أخرى بفعل ما يمتلكه من خيرات زراعية ونفطية، وبالتالى تبقى تأثيرات التدخلات الخارجية واضحة وهو ما حذرت منه مصر مؤخراً.

◄ عمل إجرامي
وقال السفير على يوسف الشريف، الدبلوماسى بوزارة الخارجية السودانية، إن العدوان على غزة تقوم به دول صهيونية على شعب أعزل وهى جريمة شنعاء يندد بها العالم أجمع، أما ما يحدث فى السودان فهو تمرد داخلى يدعمه مرتزقة من الخارج لتخريب السودان وقتل المواطنين، وما يحدث فى السودان هو أيضًا عمل إجرامى بحق المدنيين لكن لا يمكن القول بأن الحرب الدائرة الآن منسية على الأقل من جهة الشعب السودانى الذى يسعى لاستقرار بلاده.

وأضاف أن الحل السياسى فى السودان لم ينضج بعد ولذلك فإن الحرب سوف تستمر ومن حسن الحظ أن الكفة الآن تميل لصالح الجيش السوداني، وهو عامل إيجابى للدول التى تسعى لاستقرار السودان ولديها مصلحة فى أن يستقر أبناؤه داخل الوطن، فى حين أن دولًا أخرى لديها رغبة فى نهب الثروات تحاول بشتى الطرق إطالة أمد الصراع.