سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. أقوات «الأرض»

الدكتور أحمد فؤاد باشا عضو مجمع اللغة العربية
الدكتور أحمد فؤاد باشا عضو مجمع اللغة العربية

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)، وحلقة اليوم عن، أقوات(الأرض)، ويقول أ.د.أحمد فؤاد باشا: أقوات: جمع "قوت"، وهو ما يمسك الرَّمَق (النفس)، ويقوم به البدن من الطعام.

قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (سورة فصلت: 10). يحدثنا القرآن الكريم هنا عن تكوين ما تصلح به الأرض من الجبال والأقوات والخير النافع الكثير. وهذا يتناول كل ما أودعه الله - تعالى – في الأرض من خيرات ما زالت تتكشف للإنسان يومًا بعد يوم، ويتناول كل ما تملكه الأرض من كنوز ومواد يمكن استخراجها واستغلالها.

اقرأ أيضاً | هل الإعتكاف فرض أم سنة؟.. الإفتاء تُجيب‎

ثم يستخدم القرآن الكريم هذا التعبير المعجز العجيب: "وقدّر فيها أقواتها"، ومعنى " قدّر الأقوات": جعل لها قدرًا محددًا محسوبًا من حيث الكمية والنوع، واستخدم القرآن الكريم لفظ الجمع "أقوات" ليشمل أنواعها التي لا حصر لها، وأنواع المقتاتين التي لا يحيط بعلمها إلا الله عز وجل. فالأرض كما خلقها الله – تعالى – وكوّنها، محتوية على أقوات مخلوقاتها من إنسان وحيوان ونبات.

وهذا يعني أمرين، أولهما أن الله سبحانه وتعالى أودع فيها القوى التي تنشأ منها الأقوات، وثانيهما أنه خلق أصول أجناس الأقوات وأنواعها على اختلاف المناطق والأوقات والمناخ، وفي هذا إشارة على سبيل الإجمال لمصادر القوت، مع اختلاف الأقاليم والبلدان، وتنوع الخصائص والمنتوجات، مما يدفع إلى السعي والتبادل التجاري.

من ناحية أخرى، إذا كان التعبير القرآني قد أضاف الأقوات إلى الأرض "أقواتها"، ليتناول كل المخلوقات التي تتغذى، ما علمنا منها وما لم نعلم، حيث إن لكل النباتات أقوات، وللدواب أقوات، وللطير أقوات، وللزواحف أقوات، وللحشرات أقوات، وللإنسان أقوات مما استطاب منها، فإن هذا التعبير المعجز يشير أيضًا إلى أن الأرض هي المقتاتة، وأقواتها هي الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء التي بها قوام الأرض ومصالحها وصلاحها لاستمرار الحياة عليها إلى ما شاء الله.

والإيمان بحقيقة ما أخبر به القرآن الكريم من أن الله – تعالى – حين خلق الأرض "بارك فيها وقدّر فيها أقواتها" يستتبع بالضرورة الإيمان بأن أى خلل يصيب التوازن بين المخلوقات وأقواتها إنما هو راجع إلى عدوان بشري على ضوابط السلوك التي وضعها القرآن الكريم للحفاظ على هذا التوازن الذي هو بدوره إحدى سمات الخلق الإلهي والتوازن البيئي في هذا الكون الذي نعيش فيه، ولهذا جاء النهي عن الإسراف وسوء الاستغلال ونهب الثروات في مواضع عدة من القرآن الكريم، وكلها من مظاهر الفساد في الأرض التي نهى القرآن عنها في قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (سورة الأعراف: 56).