«الغارمات».. أمهات خلف القضبان| مبادرة الرئيس وتضافر جهود الدولة والمُجتمع المدني ينهي معاناتهن

إحدى الغارمات تحتضن ابنتها
إحدى الغارمات تحتضن ابنتها

يُدركن جيدًا أن الديْن همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، لكنهن لم يجدون غيره حلًا وحيدًا سواء للنجاة من الجوع والعوز والحاجة وسد احتياجاتهن المعيشية والأسرية أو للتفاخر والتباهى بسلوك استهلاكى أفرزته عادات عقيمة عند تزويج الأبناء والفتيات، لم تلجأ إحداهن لطرق غير مشروعة لفك كربهن، فاتجهن للدين لتجد كل منهن نفسها مُهددة بالسجن لعدم القدرة على السداد فتصبح من «الغارمات».

وقد تضافرت جهود الدولة، ومؤسسات المجتمع المدنى، خلال السنوات الأخيرة ليس فقط من أجل سداد ديون الغارمات والإفراج عنهن، لكن من أجل تمكينهن اقتصاديًا بما يضمن عدم عودتهن لدائرة الحاجة والاستدانة.

◄ سجون بلا غارمات
وقد أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قرارًا رئاسيًا العام الماضى، خلال حضوره الاحتفال بيوم المرأة المصرية والأم المثالية، بالعفو الرئاسى عن كافة الغارمين والغارمات، ممن يقضون عقوبات بمراكز الإصلاح والتأهيل، والإفراج عنهم قبل حلول شهر رمضان، وأكد الرئيس، أن عدد الغارمين والغارمات المُفرج عنهم بلغ ٨٥ شخصًا، من بينهم 40 سيدة و45 رجلًا، مُشيرًا إلى أنه تم الإفراج عنهم، كما وجه بتقديم مُساعدات لهم لتغطية مصاريف شهر رمضان الكريم، موضحًا أنه كان حريصًا على الإفراج عنهم ليتواجدوا وسط أسرهم خلال الشهر الكريم، كما أكد الرئيس اهتمامه الكبير بأحوال الوطن والشعب والمرأة المصرية، التى تستحق ما هو أفضل، مُشيرًا إلى أن المرأة المصرية تستحق من الدولة والمُجتمع أن يبذلا قصارى الجهد لتوفير الظروف المُلائمة لحفظ حقوقها وتعزيزها وتفعيل دورها بجميع مناحى الحياة.

حكايات الغارمات كثيرة، ومُحزنة من بينها قصة مُهيرة على السيد، إحدى السيدات التى لاحقها كابوس السجن، بعد أن صدر ضدها حكم بالسجن نهائى واجب النفاذ بعد تعثرها فى سداد أقساط الدين الذى تورطت فيه حتى تزوج ابنها الأكبر، وأنقذها فى النهاية العفو الذى أصدره الرئيس السيسى، لتخرج إلى الدنيا من جديد، وتقول مُهيرة، فى العقد الخامس من عمرها، ربة منزل، إنها لم تتخيل يومًا أن تتعرض لهذا الموقف الصعب الذى وضعت فيه بإرادتها حتى تزوج ابنها الأكبر، مُضيفة أنها تحملت أعباء الأسرة بالكامل بعد وفاة زوجها الذى تركها تحمل عبء أولادها الأربعة وحدها دون أى سند لها فى الحياة، موضحة أنها اضطرت لشراء كافة مستلزمات ومتطلبات نجلها أثناء تجهيزه لفرحه، وحتى لا يتعثر أمام أهل زوجته، فاستدانت بدلًا عن ابنها، على أمل أنه بعد زواجه سيقوم بسداد هذه الديون، ويحمل هذا العبء عنها، لكنها فوجئت بعد زواج ابنها بأنه لم يقم بسداد أى من هذه الديون، وتركها تواجه مصير السجن بعد أن صدرت ضدها عدة أحكام قضائية نهائية واجبة النفاذ، لافتة إلى أن صاحب الدين قام برفع عدة قضايا بأكثر من «إيصال أمانة وشيكات» مُستحقة الدفع عليها، وحصل بها على عدة أحكام قضائية، مُضيفة أنها أصبحت مُطاردة لا تستطيع الذهاب لبيتها أو عملها حتى تم القبض عليها فى النهاية، وجاء الفرج بعد ذلك بعدة أشهر بقرار العفو الرئاسى.

◄ اقرأ أيضًا | مستقبل وطن بكفر الشيخ : دعم عدد من المشروعات الصغيرة وتسديد ديون الغارمات‎

◄ إيصالات أمانة
بثينة حامد، إحدى الغارمات من الجيزة، تحكى أنها وقعت على إيصالات أمانة بمبلغ 80 ألف جنيه بعد أن قررت شراء ثلاجة وبوتوجاز لبيتها بالتقسيط، لكنا تعثرت فى السداد بعد أول أربعة أقساط، فقدم الدائن الإيصالات للنيابة، وتم الحكم عليها نهائيًا، إلا أن مؤسسة «حياة كريمة» تدخلت ودفعت المبلغ الذى تسبب في سجنها، مُعقبة: «حياة كريمة حلت ليا المشكلة.. وطلعوا ناس كتير معايا.. ربنا يخلي لنا الرئيس عبد الفتاح السيسى»، انهمرت الدموع من عينيها وهي تُكمل: «كان يزورنى فى السجن ابنى مع والده، وكنت أقضي ليلي بين 4 جدران بالسجن أبكي لعدم وجودي بجانب أمي التى داهمها المرض وتوفيت وأنا بعيدة عنها»، واختتمت: «حياة كريمة افتتحت لى مشروع كشك صغير، والحمد لله نعيش من خلاله الآن بستر».

◄ عدم الوعي
الدكتورة سامية قدري، أستاذ علم الاجتماع، أشادت بالمُبادرات المُهمة التى قدمها الرئيس السيسى، لحل مُشكلة الغارمات والقضاء عليها، لافتة إلى أن القضية مُتعددة الأسباب، وخيوطها مُتشابكة، وأبرز أسبابها عدم الوعى بالقانون، وبالأضرار القانونية التى تقع على السيدة نتيجة عدم السداد، مُشددة على أننا بحاجة للتوعية بشكل أكبر والتنبيه لهذه الأخطار، ويجب ألا يكون الحل هو السداد للغارمات فقط، لكن بإيجاد بدائل مثل فرص عمل بمقابل مادى جيد يستطعن من خلاله سداد الغرامات الواقعة عليهن، حتى لا تتعامل نساء أخريات مع الأمر بسهولة.

من جانبه، لفت الدكتور كارم الشريف، أستاذ الاقتصاد، إلى أن الرئيس السيسى حينما وجه بالإفراج عن الغارمين والغارمات، أشار إلى أن هناك مُبالغة كبيرة فى تجهيز العرائس بالمناطق الفقيرة والعشوائية، ولا أدري ما السر فى حب التفاخر والتظاهر، وما يكلفه ذلك من أرقام فلكية تتسبب فى دخول السيدات السجون لعجزهن عن السداد، فهذه تصرفات لا يقبلها أى منطق أو عقل.