عصير القلم

اخلع وانت الكسبان

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬إن‭ ‬جالك‭ ‬الموت‭ ‬انت‭ ‬الكسبان‭ .. ‬انت‭ ‬الربحان‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حلفان‭.‬

ربما‭ ‬تبدو‭ ‬كلماتي‭ ‬صادمة‭ ‬للقراء‭ ‬ولكنها‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نهرب‭ ‬منها‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬واضحة‭ ‬جلية‭ ‬كشمس‭ ‬الظهيرة‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السحب‭ ‬والغيوم‭.‬

الموت‭ ‬سيأتي‭ ‬عاجلا‭ ‬أو‭ ‬آجلا‭ .. ‬سيأتي‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬غد‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عشرة‭ .. ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬سيأتي‭.‬

البشر‭ ‬يخشون‭ ‬الموت‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬غامض‭ ‬يصادفهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭ ‬قليلة‭ ‬لحد‭ ‬الندرة‭ ‬ومعظمها‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الاحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬وبعض‭ ‬الاقوال‭ ‬المتناثرة‭ ‬للصحابة‭ ‬والتابعين‭.‬

الموت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مجرد‭ ‬جسر‭ ‬نعبره‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬المؤقتة‭ ‬الى‭ ‬الحياة‭ ‬الأبدية‭ ‬الدائمة‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬نتحرر‭ ‬من‭ ‬اجسادنا‭ ‬البالية‭ ‬التي‭ ‬نتركها‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭ ‬ونتحول‭ ‬إلى‭ ‬أرواح‭ ‬شفافة‭ ‬تسعى‭ ‬بلا‭ ‬حواجز‭ ‬أو‭ ‬قيود‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬نلتقي‭ ‬احباءنا‭ ‬الذين‭ ‬سبقونا‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬البقاء‭ .. ‬لقاء‭ ‬بلا‭ ‬فراق‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الغرائز‭ ‬الدنيوية‭ ‬حيث‭ ‬لايوجد‭ ‬حقد‭ ‬ولا‭ ‬غل‭ .. ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مشاعر‭ ‬غيرة‭ ‬أو‭ ‬كراهية‭ .. ‬لن‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬يخونك‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬اليك‭ .. ‬لن‭ ‬يطمع‭ ‬فيك‭ ‬أحد‭ ‬ولن‭ ‬يستغلك‭ ‬احد‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مرض‭ ‬ولا‭ ‬اطباء‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬لمستشفيات‭ ‬تذبحك‭ ‬بفواتيرها‭ ‬النارية‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬للقلق‭ ‬والتوتر‭ .. ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للتعلق‭ ‬بآمال‭ ‬زائلة‭ .. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬هموم‭ ‬أو‭ ‬متاعب‭.‬

بعد‭ ‬الموت‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬ربك‭ .. ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أروع‭ ‬واجمل‭ ‬وامتع‭ ‬من‭ ‬لقاء‭ ‬الحبيب‭.‬

الموت‭ ‬ليس‭ ‬شيئا‭ ‬سيئا‭ ‬وليس‭ ‬كائنا‭ ‬مخيفا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخشاه‭ .. ‬الموت‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الحياة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬مثل‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭ ‬والكهولة‭.‬

‭ ‬واكرر‭ ‬هنا‭ .. ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ .. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬انه‭ ‬مصير‭ ‬محتوم‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نهرب‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬نؤجله‭ .. ‬وبالتالي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننتظره‭ ‬ونستعد‭ ‬له‭ ‬ونستقبله‭ ‬بلا‭ ‬خوف‭.‬

ومن‭ ‬أصدق‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬قيلا‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭  ( ‬قل‭ ‬إن‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬تفرون‭ ‬منه‭ ‬فإنه‭ ‬ملاقيكم‭ ‬ثم‭ ‬تردون‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الغيب‭ ‬والشهادة‭ ‬فينبئكم‭ ‬بما‭ ‬كنتم‭ ‬تعملون‭).‬

هناك‭ ‬من‭ ‬أدرك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬وعبر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬مثل‭ ‬الشاعر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬“‭ ‬الموت‭ ‬لايؤلم‭ ‬الموتى‭ ‬ولكنه‭ ‬يوجع‭ ‬الأحياء”‭ .. ‬ويقصد‭ ‬هنا‭ ‬وجع‭ ‬الفراق‭ ‬والفقد‭ ‬الذي‭ ‬يدمي‭ ‬قلوب‭ ‬الاحياء‭ ‬بينما‭ ‬الموتى‭ ‬على‭ ‬برزخ‭ ‬الحياة‭ ‬الابدية‭ ‬لا‭ ‬تشغلهم‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬عاشوها‭ ‬ويرونها‭ ‬اصغر‭ ‬من‭ ‬جناح‭ ‬ذبابة‭.‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬سار‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الابنودي‭ ‬قائلا‭ : ‬

“‭ ‬إوعى‭ ‬تصدقها‭ ‬الدنيا‭.. ‬غش‭ ‬في‭ ‬غش‭. ‬

إذا‭ ‬جاك‭ ‬الموت‭ ‬يا‭ ‬وليدي‭.. ‬موت‭ ‬على‭ ‬طول‭.‬

إللي‭ ‬اتخطفوا‭ ‬فضلوا‭ ‬أحباب‭. ‬

صاحيين‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬كأن‭ ‬محدش‭ ‬غاب‭.‬

وإللي‭ ‬ماتوا‭ ‬حته‭ ‬حته‭ ‬ونشفوا‭ ‬وهما‭ ‬حيين‭.‬

حتى‭ ‬سلامو‭ ‬عليكم‭ ‬مش‭ ‬بتعدي‭ ‬من‭ ‬برا‭ ‬الأعتاب‭.‬

أول‭ ‬ما‭ ‬يجيك‭ ‬الموت‭.. ‬افتح‭. ‬

أول‭ ‬ما‭ ‬ينادي‭ ‬عليك‭.. ‬اجلح‭ ‬إنت‭ ‬الكسبان‭.‬

أوعى‭ ‬تحسبها‭ ‬حساب‭.. ‬بلا‭ ‬واد‭ ‬بلا‭ ‬بت‭.‬

سيبها‭ ‬لهم‭ ‬بالحال‭ ‬والمال‭ ‬وانفد‭.. ‬اوعى‭ ‬تبص‭ ‬وراك‭.‬

الورث‭ ‬تراب‭ .. ‬وحيطان‭ ‬الأيام‭ ‬طين‭.‬

وعيالك‭ ‬بيك‭ ‬مش‭ ‬بيك‭ ‬عايشين‭.‬

;