ملك صحافة الحوادث.. لروحك السلام والمحبة 

أيمن فاروق
أيمن فاروق

‭..‬ما‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬أتذكره،‭ ‬أترحم‭ ‬عليه،‭ ‬فلما‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬تعلمنا‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عملنا‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة،‭ ‬خُلق‭ ‬ليكون‭ ‬صحفيًا،‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬صلاح،‭ ‬حينما‭ ‬يتحدث‭ ‬كنا‭ ‬نصمت،‭ ‬فهو‭ ‬أحد‭ ‬أساتذة‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬ولأجيال‭ ‬كثيرة،‭ ‬صاحب‭ ‬القلم‭ ‬الرشيق‭ ‬والأسلوب‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬صاحب‭ ‬فكرة‭ ‬جريدتنا‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الحوادث‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يلقبها‭ ‬بابنته،‭ ‬وهي‭ ‬بالفعل‭ ‬ابنته،‭ ‬حقه‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكره‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬لأن‭ ‬مواقفه‭ ‬كثيرة‭ ‬ولن‭ ‬تنسى‭.‬

أشعر‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬المهنة‭ ‬افتقدته‭ ‬كما‭ ‬افتقدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كبارها،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬فيجب‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تصمت‭ ‬ليس‭ ‬خوفا‭ ‬ولكن‭ ‬حبًا‭ ‬في‭ ‬أسلوبه‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬والحكي،‭ ‬يجذبك‭ ‬إليه‭ ‬بذكائه‭ ‬كإنسان،‭ ‬مثلما‭ ‬يأخذك‭ ‬في‭ ‬سلاسة‭ ‬ويسر‭ ‬عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬مقالاته،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬موقع‭ ‬اليوتيوب‭ ‬يذكرني‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬هرب‭ ‬النوم‭ ‬من‭ ‬عيني‭ ‬وكنت‭ ‬أهرول‭ ‬خلفه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الليالي‭ ‬التي‭ ‬أصابني‭ ‬فيها‭ ‬الأرق‭ ‬لأدخل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المسمى‭ ‬باليوتيوب‭ ‬وإذا‭ ‬بصورة‭ ‬الأستاذ‭ ‬تقع‭ ‬أمام‭ ‬عيني،‭ ‬وقفت‭ ‬عيناي‭ ‬أمامها‭ ‬للحظات،‭ ‬واسترجعت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬مواقف‭ ‬مضت‭ ‬كثيرة،‭ ‬وعدت‭ ‬سريعًا‭ ‬لأضغط‭ ‬على‭ ‬صورته‭ ‬حتى‭ ‬يعمل‭ ‬الفيديو‭ ‬فأجد‭ ‬حوارًا‭ ‬خاصا‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬المحور‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ضيفًا‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬90‭ ‬دقيقة‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الباز،‭ ‬حينما‭ ‬شاهدته‭ ‬واستمعت‭ ‬لنبرة‭ ‬صوته،‭ ‬عدت‭ ‬بالزمن‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عاما،‭ ‬كما‭ ‬استرجعت‭ ‬أيامًا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل،‭ ‬تذكرت‭ ‬مواقف‭ ‬مع‭ ‬ملك‭ ‬صحافة‭ ‬الحوادث‭ ‬وكبير‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬صلاح‭.‬

فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬اصطحبت‭ ‬فيه‭ ‬زميلى‭ ‬المصور‭ ‬خالد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬لتصوير‭ ‬حادث‭ ‬حريق‭ ‬لطفل‭ ‬رضيع‭ ‬ألقت‭ ‬به‭ ‬أمه‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬القمامة‭ ‬وكلب‭ ‬ينقذه،‭ ‬قصة‭ ‬إنسانية،‭ ‬ونشر‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬أخبار‭ ‬الحوادث،‭ ‬وبعدها‭ ‬فوجئت‭ ‬بخالد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬يبلغني‭ ‬أن‭ ‬الأستاذ‭ ‬عزت‭ ‬السعدني‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬تحقيقه‭ ‬السبت‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬جريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬الموقرة،‭ ‬هنا‭ ‬دخلت‭ ‬للأستاذ‭ ‬علاء‭ ‬عبدالكريم‭ ‬مدير‭ ‬التحرير‭ ‬وقتها،‭ ‬ونصحني‭ ‬أن‭ ‬أدخل‭ ‬للأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬صلاح‭ ‬لأعرض‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬تم،‭ ‬وقد‭ ‬كان،‭ ‬كالعادة‭ ‬كان‭ ‬جالسا‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭ ‬ممسكًا‭ ‬بقلمه‭ ‬مستعدًا‭ ‬للكتابة‭ ‬على‭ ‬أضواء‭ ‬أباجورة‭ ‬مكتبه،‭ ‬وبصوته‭ ‬الخافت‭ ‬قال‭ ‬‮«‬تعالى‭ ‬ياأيمن‮»‬،‭ ‬عرضت‭ ‬عليه‭ ‬تحقيق‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير،‭ ‬وكيف‭ ‬تناول‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬الحوادث،‭ ‬ابتسم‭ ‬كعادته‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬جميل،‭ ‬بص‭ ‬بقى،‭ ‬أنت‭ ‬هتعمل‭ ‬استهلال‭ ‬للموضوع،‭ ‬وتنشر‭ ‬تحقيق‭ ‬الأستاذ‭ ‬عزت‭ ‬السعدني،‭ ‬وتمضي‭ ‬له‭ ‬بالبنط‭ ‬الكبير‭: ‬عزت‭ ‬السعدني‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الحوادث،‭ ‬وأنت‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الموضوع‭ ‬ببنط‭ ‬أصغر‭ ‬طبعا‭.. ‬ماشي‭ ‬ياأيمن‮»‬،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬‮«‬تمام‭ ‬ياريس‮»‬،‭ ‬وبالفعل‭ ‬تمت‭ ‬المهمة‭ ‬بنجاح،‭ ‬ومواقف‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يسعها‭ ‬مقالي‭.‬

أعود‭ ‬إلى‭ ‬حواره‭ ‬على‭ ‬90‭ ‬دقيقة،‭ ‬وصولاته‭ ‬وجولاته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬وتحليله‭ ‬للجريمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالفنانين‭ ‬والوزراء،‭ ‬كنت‭ ‬منصتًا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬كثيرة‭ ‬لطريقته‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬وتحليله،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يجبرني‭ ‬على‭ ‬ضحة‭ ‬بصوت‭ ‬عالي،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬محمود‭ ‬صلاح‭ ‬مع‭ ‬حفظ‭ ‬الألقاب،‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬كيف‭ ‬يجذبك‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬كلامه،‭ ‬ومتى‭ ‬يجعلك‭ ‬تتعاطف‭ ‬معه،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لعرض‭ ‬معلوماته‭ ‬وخبراته،‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الذكاء،‭ ‬تعلمت‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭ ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬آخرين‭ ‬كثر‭ ‬منه،‭ ‬فهو‭ ‬أحد‭ ‬أساتذة‭ ‬المهنة،‭ ‬أستاذ‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬صحافة‭ ‬الحوادث‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء،‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬سؤال‭ ‬له،‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬تلخص‭ ‬مشوارك‭ ‬الطويل،‭ ‬فرد‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬صلاح،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬له‭ ‬أغنية‭ ‬تغنيها‭ ‬ماجدة‭ ‬الرومي،‭ ‬‮«‬أدي‭ ‬اللى‭ ‬كان‭ ‬وأدي‭ ‬المصير‮»‬،‭ ‬واستكمل‭ :‬أنا‭ ‬معرفش‭ ‬الناس‭ ‬هاتقول‭ ‬عليا‭ ‬أيه‭ ‬بعد‭ ‬أموت‭ ‬ماعرفش‭ ‬حد‭ ‬هيفتكرني‭ ‬ولا‭ ‬لأ”‭.‬

أكيد‭ ‬أستاذنا‭ ‬سيتذكروك‭ ‬بكل‭ ‬الخير،‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬وغفر‭ ‬لك‭ ‬وأسكنك‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬لروحك‭ ‬السلام‭ ‬والمحبة‭ ‬الخالصة‭.‬

;