«السوشيال ميديا» تشــعـل الأزمــات| الخبراء: الشائعات تربك الأسواق ومعظمها فقاعات لأسعار وهمية

«السوشيال ميديا»
«السوشيال ميديا»

أقل من ثلاثة أشهر كانت كفيلة بتغيير موازين السوق المصرى، فبدأ الأمر بأحاديث غير مؤكدة عن ارتفاع أسعار السلع، ثم انتشرت الأحاديث كالنار فى الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعى .

أدى كل ذلك إلى وقوع المصريين فى فخ «الصفحات الوهمية» التى تنشر أسعاراً مبالغاً فيها لصرف العملات أو لأسعار السلع والذهب، فلجأ المواطن إلى تخزين العملات والبحث عنها بأعلى سعر  كما استغل عدد من التجار الأزمة لرفع الأسعار بناء على «توقعات السوشيال ميديا»، حتى وجدنا أنفسنا أمام «سوق جديد» يعمل بقوانينه الخاصة .

هناك من يتعمد إثارة الأحاديث على المنصات الإلكترونية ليستفيد من الأزمات

خسائر كبيرة لمستخدمى الصفحات الوهمية.. والمخالفون تدفعهم الرغبة فى الثراء السريع

فى هذا التحقيق نفتح النقاش مع الخبراء حول حقيقة الأمر وكيفية التصدى له، وفى البداية أكد إبراهيم محمد، متخصص فى تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعى، أن هناك بالفعل عددا كبيرا من الصفحات والحسابات على كافة مواقع السوشيال ميديا، ولعل أبرزها وأكثرها انتشارا صفحات الفيسبوك وتليجرام، فهناك مجموعات تكون مغلقة أحيانًا وتستهدف تداول أسعار العملات والذهب، وأحيانا يتواجد وسطاء وعملاء للشراء والبيع، فهى بمثابة حركة بيع وشراء كبيرة.

وأشار إلى اتجاه البعض لشراء الذهب بالتقسيط من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فهناك صفحات متخصصة فى بيع وشراء الذهب، وكذلك الدولار، فتنتشر أرقام مبالغ فيها حتى مقارنة بالسوق غير الرسمى، وتحظى هذه الصفحات بإقبال أعداد كبيرة.

وأكد أن أسعار الذهب المتداولة حاليًا على صفحات السوشيال غير حقيقية، وتشهد عمليات مضاربة خارجة عن قواعد السوق، فهى لا تعبر بأى شكل من الأشكال عن الأسعار التى يجب أن تكون عليها فى الحقيقة، وبالتالى تكون الفرصة أكبر لعمليات النصب والاحتيال، وهو ما ينطبق أيضًا على العملات الأجنبية .

سبائك غير مدموغة

أشار «محمد» إلى التحذير الذى أطلقته شعبة الذهب للمواطنين والخاص بتوخى الحذر فى عمليات شراء الذهب ، وتحذرهم من الانسياق وراء الشائعات وما يتم تداوله عبر مواقع وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى لأنها قد تؤدى إلى خسائر كبيرة للمواطنين، وكذلك عدم الشراء والبيع من خلال السوشيال ميديا.
وأوضح أن عمليات النصب نشطة الآن بسبب هذه الصفحات، فقد جرى رصد بعض محاولات بيع سبائك غير مدموغة «سبيكة بلدى» على صفحات التواصل الاجتماعى بما يخالف القانون ويشكل مجالا واسعا للغش التجارى والتلاعب بحقوق المستهلكين، وفقًا لتأكيدات شعبة الذهب أيضا.

وأكد أن البعض يجمع الدولارات من المواطنين بأسعار كبيرة، وبعدها يخفيها لفترة زمنية، قبل أن يبيعها بأسعار أكبر مستغلا حاجة العديد من التجار للدولار لإتمام الاستيراد، ويضطر التاجر لشراء الدولار بسعر أكبر، وهو ما ساعد المستغلين فى تحقيق مكاسب كبيرة، ومع ذلك يقع الكثير من المواطنين ضحية لعمليات النصب بسبب هذه الصفحات والحسابات الوهمية.

التأثير على السوق

من جانيه أكد الخبير الاقتصادى د. سيد خضر أن المنصات الإلكترونية خاصة وسائل التواصل الاجتماعى تلعب دورا كبيرا فى هذه الآونة فى التأثير على السوق الداخلى وما يطرح به من أسعار، ومن الملاحظ أن الشائعات التى تطرح عليها تتحكم فى عملية التسعير الداخلى. وأوضح أن الشعب المصرى بطبيعة حاله يميل إلى نشر «الفتوى» بدون دليل، مثلما حدث فى الذهب والدولار، فانتشرت المناقشات والتصريحات غير المقننة حول ارتفاع أسعارهما بشكل كبير، مما دفع إلى تأثر السوق الحقيقى بذلك.

وأشار خضر إلى أن ذلك يعود إلى تأثر المواطن بما ينشر على هذه المنصات خاصة الأحاديث حول التعويم، فيلجأ إلى عملية التخزين لكى يحقق مكاسب بعد ارتفاع العملة أو الذهب، وهذا يؤدى إلى زيادة الطلب بشكل كبير مما يشجع نشاط السوق غير الرسمى كما حدث فى الدولار .

وأضاف أن هذه العملية خطر على الاقتصاد القومى والاقتصاد الأسرى، فهناك من يتعمد إثارة هذه الأحاديث على المنصات الإلكترونية لكى يستفيد من الأزمة، حتى وصل الأمر بالبعض إلى تخزين العملات فى المنزل.

وأضاف أن استمرار العمل فى  التسعير العشوائى فى الأسواق الداخلية لابد أن تجد لها رادعا قويا من قبل الدولة، موضحا أن مصر لديها احتياطى نقدى فلا مانع من أخذ نسبة مخصصة لتوفير العملة الصعبة حتى يتم توفير السلع الاستراتيجية للمواطن، ما يمكن للدولة أن تثبت سعر الصرف مع التركيز على توفير العملات الصعبة.

عملات جديدة

  أشار خضر إلى أن الوضع الآن يحتاج إلى حلول بديلة أيضا، وأبرزها البدء بشكل فعلى فى تطبيق الاتفاقيات التى أبرمت مع عدة دول مثل تركيا والإمارات والهند، موضحا أن استخدام العملات الجديدة سيؤدى إلى تقليل الطلب على الدولار وبالتالى إحداث توازن فى السوق الداخلى بجانب تنشيط التجارة الخارجية.
وأضاف أنه إذا لم تقم الوزارات المختصة كوزارة التموين وأيضا جهاز حماية المستهلك بالقيام بأدوارهما سينفلت الأمر بشكل كبير، موضحا أنه إذا فرضت رقابة حقيقية سيتم وضع حدود لتسعير السلع بحيث لا تزيد عن سعر محدد للبيع ومن يخالف ذلك يستحق أن يفرض عليه قانون الطوارئ لأنه يستغل الأزمات فى سلع استراتيجية هامة.

الاقتصاد السلوكى

أما الخبير الاقتصادى د. مدحت نافع فيفسر لنا ما يحدث بأنه علم حقيقى يطلق عليه «الاقتصاد السلوكى» والذى فيه تكون النبوءة محققة لذاتها، فتوقعات المواطن وحديثه حول أسعار بعينها عادة ما تتحقق بشكل فعلى فى السوق الحقيقى، إلا أنه أوضح أن ذلك ليس الدافع الرئيسى للأزمات الاقتصادية الأخيرة بل هى ساعدت على تفاقم الأزمة .

وأضاف أنه حان الوقت للدولة أن تتجه إلى التشديد النقدى وعدم الاكتفاء برفع سعر الفائدة لمحاولة تقليص الفجوة بين سعر الفائدة الاسمى والحقيقى، موضحا أن البنك المركزى يملك أدوات هامة ومؤثرة للحد من الأزمة مثل عمليات السوق المفتوح والتى تعمل على امتصاص فائض السيولة من الأسواق.

وأشار إلى أن جهازى حماية المنافسة وحماية المستهلك عليهما تعزيز أدوارهما لضبط الأسواق وحظر الدولرة ومنه التلاعب والاستغلال .

وقال د.وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، إن البعض اتجه إلى وسيلة تضر بالاقتصاد، وتتمثل فى إنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لتتناول أسعار الدولار والعملات والذهب بأسعار غير واقعية ومرتفعة للغاية ومضللة، مما ينعكس بالسلب على الاقتصاد، لأن الهدف الأساسى لهذه الصفحات هو منع من يمتلك دولار أو عملة أجنبية من التعامل مع البنوك الرسمية، وكذلك الاستحواذ على سوق العملات بشكل غير شرعى حتى فى حالة تكبد أصحاب هذه الصفحات خسائر، فرغبتهم الأساسية تتمثل فى الإضرار بمصالح الدولة.

وأوضح أن هناك أيضًا فئة من أصحاب الرغبة فى الثراء السريع، تتجه للترويج عن نفسها على صفحات السوشيال ميديا لشراء الدولار والعملات بأسعار كبيرة مقارنة بسعر البنوك، وتهدف لجمع مبالغ كبيرة من الدولار أو حتى الذهب، والانتظار حتى يرتفع سعرها أكثر فى السوق السوداء لبيعها وتحقيق مكاسب كبيرة، ويكون الدافع النفسى هنا يتمثل فى حب المغامرة بخوض تجربة محفوفة بالمخاطر والرغبة فى تحقيق ثروات دون مجهود.

ونصح «هندى» المواطنين ممن يمتلكون عملات أجنبية بعدم الركض خلف هذه الصفحات والحسابات غير الشرعية التى قد تضر به وتخدعه وتعرضه للمساءلة القانونية والتعرض للعقوبة، وحتى لو نجح الأمر فى تحقيق مكسب مؤقت، فذلك يضر بالاقتصاد بما ينعكس عليه بالسلب أيضًا، فما سيكسبه اليوم من الدولار سيصرف أضعافه غدًا عندما ترتفع أسعار السلع والمستلزمات نتيجة لذلك.

وأكد أن جهود الدولة للنهوض بالاقتصاد يقابلها محاولات من مخربين لزعزعة الأمور الاقتصادية من خلال استهداف العملة الصعبة من الدولار، فالدولة تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، والمستورد يحتاج إلى جمع الدولار لاستيراد المواد اللازمة. وأشار إلى اتجاه البعض لحرب ممنهجة تستهدف مصادر الدولار فى مصر، وتعد تحويلات المصريين بالخارج من أهم المصادر، فبدأت حملات تستهدف العاملين بالخارج لأخذ العملات بأسعار أعلى بالضعف تقريبا من الأسعار الرسمية بالبنوك.