يوميات الأخبار

صالح الصالحي يكتب: نفحات رمضانية

صالح الصالحي
صالح الصالحي

«هبت نسمات رمضان.. تزينت بساتين الجنان.. وعلينا أن نشمر ونجتهد.. وعلى الغافل أن يفيق والمقصر أن يعود».

كل عام وأنتم بخير.. استقبلنا بالأمس ضيفا كريما.. استقبلنا شهر رمضان الكريم.. هذا الشهر الذى يمنحنا فرصة نحن فى أشد الحاجة إليها.. فنحن فى احتياج إلى التقرب من الله بالعبادات والطاعات.. فى حاجة إلى صلة متينة بالله تقوى العزم وترفع الهمم، وتذهب الحزن وتريح النفس، وتوقظ الضمير، صلة تعين على نوائب الدهر.

رمضان نفحة ربانية للأخذ بيد العباد.. فهو شهر خير وبركة.. هو سر بين العبد وربه.. وسبحانه وحده من يعلم مقدار ثوابه وعظيم أجره.

لقد منحنا الله نفحات وبركات أكثر ما تكون فى مواسم الخيرات والأزمنة الفاضلة، وإن أعظم هذه المواسم هو شهر رمضان..

قال أحد الأئمة.. «وما فى هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله فيه وظيفة من وظائف طاعته، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى الله، بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من لفحات».

وقد روى الطبرانى عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده».

ويقول علماء الدين «التخلية قبل التحلية.. لابد أن نستقبل الشهر الفضيل بالتوبة، لأنها بمثابة تنقية الإناء من الفضلات قبل وضع الشراب فيه.. وقبل أن نتعرض لنفحات الرحمن لابد أن ننقى قلوبنا من الأدران..»

رمضان فرصة للتوبة، وفرصة للمذنبين، فالشياطين مصفدة، وشهوات النفس مقيدة.. والنفحات ممنوحة.. وأبواب الجنان مفتوحة.

رمضان شهر الجهاد والتغيير.. فعلينا أن نجاهد أنفسنا بالبعد عن المعاصى.. وأن نصبر طمعا فى عوض الله.. ونستغل رمضان لسد جميع الطرق التى توقعنا فى المنكر والبغى.

علينا أن نعمل بما ثبت عن الترمذى من حديث أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: يا ابنَ آدمَ، إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِى ورَجَوْتَنِى، غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ، ولا أُبالِى. يا ابنَ آدمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى، غَفَرْتُ لكَ، ولا أُبالِى. يا ابنَ آدمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا، ثُمَّ لَقِيْتَنى لا تشرك بِى شَيْئا، لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً».
علينا أن نكون على يقين أن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات ويبدلها حسنات.. فهذا شهر توبة.

رمضان شهر الصوم، وهو العمل الذى اختصه الله لنفسه، ورتب عليه الأجر العظيم.. فالصائم الحقيقى ليس فقط من امتنع عن الأكل والشراب والاستمتاع، وإنما من خاف الله، واتقى ربه فى لسانه وقلبه.. وخشى الله فى ماله فلم يكسبه من حرام أو غش.. وعامل الناس معاملة حسنة.. وابتعد عن النفاق والكذب والرياء، والنميمة والقيل والقال، وصفّى قلبه من الحقد والحسد والغل والبغضاء والكره.. وتحلى بروح التسامح والعفو والمغفرة.

علينا أن نفرح، فالصيام اختصه الله لنفسه.. ففى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال : قال الله عز وجل فى حديث قدسى «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لى وأنا أجزى به، والصيام جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إنى امرؤ صائم، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك».

علينا أن نعمل ونجد ونجتهد لنستغل هذا الشهر ونفوز بمغفرة من الله، وأن ننشغل بعتق رقابنا من النار والفوز برضى الله.

رمضان نظام حياة، منحة الله لنا لنستغله فى علاج أمراض الجسد والتخلص من الآفات النفسية والاجتماعية.

ندعو الله أن يعيننا على صوم رمضان بالطريقة التى ترضيه وأن يتقبل منا الصيام.

◄ وحشتينى يا أمي
مهما كتبت، ومهما حاولت أن أعبر عما بداخلى تجاه المرحومة أمى، لن تسعفنى الكلمات، ولن يستطيع القلم أن يلاحق ما يدور فى عقلى وقلبى.. فهى ضحت من أجلى، ومنحتنى الحياة، ووقفت بجانبى وساعدتنى وشجعتنى وصبّرتنى على هموم الدنيا ومشاكلها دون مقابل.. ولم تنتظر مجرد كلمة شكر.. كل سعادتها أن ترانى سعيدا.. سهرت وتعبت وربت ولم تشتك أو تتذمر.. بل كانت تفعل كل ذلك بحب وراحة.. مهما حاولت لن أوفيها شيئا من حقها علىّ.

وحشتينى يا أمى.. وحشتنى ابتسامتك الصافية، وضحكتك الجميلة.. وحشنى حضنك، وحشنى أن أرتمى بين يديك، لأنسى الدنيا ومشاكلها ومتاعبها وهمومها.. وحشتنى نظرة عينيك وخوفهما علىّ.. وحشنى صفاء قلبك، ونقاء سريرتك.. وحشنى صوتك وهمسك وكلامك وحكاياتك.. وحشنى رفضك لبعض أفعالى.. وحشتنى نصائحك .. وحشنى انتظارك لى، ولهفتك علىّ واطمئنانك كل لحظة وأنا فى الطريق إليك حتى أصل.. وحشنى الأمان والحنان والراحة.. وحشنى طيبتك وحبك للناس وتسامحك.. وحشنى كل شئ فيك يا من كنت تعلمين كل شئ عنى من نبرة صوتى.. تعرفين دون سؤال ولا تنتظرين أى جواب، هل أنا سعيد أم حزين أو مريض أو مهموم.

وحشنى دعاؤك لى ولأولادى.. فاكرة يا أمى لما كنتِ بتدعيلى وأقول لك، هو دعاؤك بيروح فين.. وهو ربنا ما بيستجيبش دعاءك ليه.. هو أنتِ بتدعى لى ولا بتدعى علىّ، وبكل بساطة وبتلقائية تردين بلهفة: والله يا بنى بدعيلك. وقتها يا أمى لم أكن أعلم أن ربنا محوش دعواتك ومأجل الاستجابة لوقت أنتِ فيه ضيفة عنده، وأنا فى أشد الحاجة إلى هذه الدعوات.. دلوقتى أقدر أقولك أنا عايش بفضل دعائك ورضاك.. دعاؤك لى ولأولادى.

يا أمي ذهبتى وتركتينى وذهبت معك أشياء جميلة أفتقدها الآن.. ذهب معك الخير والبركة والكرم.

فى هذه اللحظات بل فى كل لحظة أتذكرك، وأصبّر نفسى بأنك الآن بين يدى الله وهو أكرم وأحن منى عليكِ.. تركتينى عايش على أمل لقائك فى الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله.
تركتينى وتركت لى إرثا من دعائك وفخرا بسيرتك وذكرى عطرة مليئة بالعطاء.

رحمة الله عليك.. وأسكنك فسيح جناته.. فى هذه الأيام المباركة أيام رمضان التى أتذكرك فيها وأنت تستعدين لقدومه منذ شهر رجب.. رمضان يا أمى هذا العام يتواكب مع عيد الأم.. ولهذا العيد خصوصية بينى وبينك ستظل خالدة أمام عينى.

وبهذه المناسبة أنصح كل من أمه على قيد الحياة أن ينهل من نورها وبركتها، وأن يجلس تحت قدميها.. يشبع منها وينال رضاها.. فهى فرصة ومنحة من الله فلا تتقاعس أو تتردد.

◄ أم العالم
إلى كل أم غزاوية فلسطينية استشهد ابنها أو أبناؤها..اصبرى واحتسبى واعتصمى بحبل الله، فإنه لن يخلف وعده.. فإذا كان العدو الإسرائيلى يستعرض قوته على أطفالك وأبنائك العزل، ويقتل ولايبالى.. فهناك من هو أقوى وأعظم..

وإلى كل أم غزاوية هُدم لها منزلها وتشردت وأطفالها، ولم تجد لهم طعاما وماء .. فإن عوض الله كبير..

وإلى كل سيدة فقدت أخا أو أبا اصبرى على ما أصابك.

أقول لكم جميعا إن انتقام الله قريب، سوف ينتقم من كل من طغى وتجبر وقتل دون هوادة أو رحمة.. أقول لهن إن ابنك أو أخاك أو أباك شهيد فى جنة الخلد.

أدعو العرب والمسلمين، بل أدعو العالم أجمع أن يكون عيد الأم هذا العام تحت شعار «أمى غزاوية» وتجعل كل أم ثكلى تشعر بأننا جميعا أبناؤها.. ونقول لها فى عيد الأم أنت أم العالم أجمع، فإذا فقدت ابنك فكلنا أبناؤك وكلنا بجوارك ومعك، فأنت رمز الصمود والصبر والقوة و التحمل.

◄ الشائعات
• هل تتوقف الشائعات فى رمضان؟!
الشائعات نوع من الكذب المدمر، فهو يدمر الأشخاص والشعوب والدول.. والكذب فى رمضان يبطل الصيام.. فهل يحصل أهل الشر على إجازة من الشائعات خلال رمضان، أم أنهم سيستمرون فى إطلاق وترويج الشائعات، ولافارق معاهم رمضان ولا رجب ولا شعبان؟!

هؤلاء يزيد نشاطهم فى رمضان، ويحلون محل شياطين الجن التى تصفّد خلال هذا الشهر الكريم.. فتزيد شائعاتهم عن أى شهر آخر.. وعلينا الحذر كل الحذر منهم.. وعدم الإصغاء لهم ولما يطلقونه وما يروجون له من شائعات حتى لا يبطل صيامنا.. تقبل الله منا ومنكم.