«متى أراك ؟؟».. قصة قصيرة للأديبة الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

الدكتورة إيمان سيد إسماعيل
الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

جلست تنتظره في شوق .. في ذلك المقهى الذى اعتاد أن يرتاداه سويا … تشتاق إليه بكل جوارحها .. أصبحت كل أحلامها الآن تنحصر في قول واحد .. متى أراك ؟؟

لم تره منذ أكثر من عام .. أيام ثقال مضت بينهما قضى فيها البعد على ما تبقى من رحيقها .. شعرت أنها ذبلت .. فلم يكن يرويها إلاه ..  كان يجمعهما مكالمة هاتفية كل يوم .. تعيد إليها شيئا من روحها بكلماته .. فقد قضت الإيام بغربتها عنه .. واضطرت إلى السفر للعمل .. وها هي الآن قد عادت .. وتجلس لتنتظره ..

تشتاق إلى دفء كلماته .. إلى نظرات عينيه الحانية .. إلى شوق يديه في سلام يطول .. أو إلى تلك النظرات التي يختلسها إليها في شوق وتلاحظها هي فتحمر وجنتاها في خجل .. تشتاق إلى كلمة أحبك التي يطلقها بنظراته دون كلمات .. وتشتاق إلى لمسة حانية خاطفة من شفتيه إلى كف يدها .. في بحر الاشتياق غارقة هي ولكنها تخشى أن يكون الاغتراب قد ترك أثره على قلبه الحنون فلم يعد كما كان من قبل ..

فمنذ أشهر قد تغيرت كلماته .. تشعر أنه يحمل مثل جبال العالم هموم وأفكار ولا يبوح .. تسمع صمته .. أناته وآهاته المذبوحة التي لا يفسرها .. تحثه على الكلام فلا يجيب ..  دائم الحمد والرضا وإن ثقلت همومه .. ودت كثيرا أن تصرخ .. أن تقول أنا هنا .. تحدث .. كانت تشعر بغصة حلقه في الكلام .. واحتارت هل أتعبه البعاد أم أن شيئا آخر قد سرق قلبه منها فلن يعود كما كان ..

منذ أشهر وهى تحيا على الذكريات .. لم يعد يطمئن قلبها بكلمات حب حانية .. لم يعد يذكر كم  يحبها وكم يتألم من طول البعاد .. لم يعد للحب مكان في الحديث .. فأصبحت كلماته كأنما واجب محتم عليه وحتى المكالمات الهاتفيه أصبحت متباعده .. لم يعد أي شيء كما كان إلا قلبها الذى تعلق به حد الموت .. فقد آمن به وأصبح يحياه ولا مكان فيه يصدق أن شيئا تغير ..

سقطت دموع من عينيها كانت تتحداها منذ أكثر من ساعة ولكنها الآن انتصرت .. استسلمت لدموع نزلت تحرق وجنتيها وتحول بركان الشوق إلى براكين من الخوف .. خوفا من اللقاء البارد أو  ملاقاة التغيير .. خوفا من أن تكون فقدته .. أو يكون قد نسى أنها الحياة له كما هو لها..

وبينما تعصف بها الأفكار رأته يدخل إلى المقهى .. في موعده كالعادة .. يرتدى قميصا باللون الأبيض .. يعلم أنها تحب هذا اللون عليه فهو حقا يليق به .. ينظر حوله يبحث عنها .. اعتقدت أنها لمحت أثرا للشوق في عينيه .. مسحت دموعها في سرعة .. ورسمت ابتسامة كاذبة .. كانت تود أن تعدو إليه لتختبئ بين ذراعيه في عناق قد يطول إلى آخر العمر ..  فارسها هو وسدها المنيع ..

وهنا رآها وابتسم وخطّأ إليها في سرعة وشوق .. يحتضن كفيها بين يديه في دفء العالم .. ينظر إليها في شوق يغمرها .. وقد أحكم كفيه على كفيها .. نظرته إلى عينيها كانت كفيلة لتثلج صدرها فلم يتغير أي شيء .. هو كما هو والحب والشوق يحتفلان بلقائهما ..

ساد الصمت ..  ساد الشوق .. وتحدثت الأعين لدقائق وكأنها أشهر طويلة .. في عتاب .. في شوق .. في عشق .. حديث أعين لا يكذب ..

يبثها شوقه إليها في غربة قد طالت وتبثه أسفها على بعد لم تعد تقوى على تحمله ..

وأزهرت مرة أخرى.. نبتت زهور الحب على وجنتيها.. وكأنما ارتوت من نهر الحياة.. وعادت تلك الفرحة لعينيها .. وتلك الروح الصبية لقلبها في لقاء كالسحر أعاد إلى قلبها خفقانه من جديد .. وقالها .. أحبك.