«موقف شائك» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه
قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

أنا طبيب نفسي بمدينة تحكمها العادات والتقاليد في شمال الصعيد لذا عملي له طبيعة خاصة بخلاف طبيعة التخصص الحساس.. فكل الحالات التي تأتي لعيادتي تتلخص معظمها في معانات المرضى من الصرع أو الهلوسة وتأتي لي بعد أن تكون قد أُجهدت مع الدجالين وفاتحي الكتب وقارئي الفنجان

وفي أحسن الظروف مع المشايخ والقساوسة.. وأخيرا ظهرت حالات معالجة الإدمان التي صارت أعدادها تزداد يوما بعد يوم بين الشباب وحتى هذه الحالات لا تأتي إلا نادرا بسبب خشية الأهل من الفضيحة..

وسأحكي لك اليوم عن موقف شائك حدث وأرجو منك أن تتمهل في الحكم..

في ليلة شتوية وعند انتهاء وقت العيادة كنت ومساعدي على باب العيادة فوجئنا برجل في الثلاثينات وتبدو عليه علامات الإرهاق واحمرار في عينيه وبصوت مجهد طلب مني أن أنتظر وأسمح بالكشف عليه مع علمه بأن الوقت متأخر لكن الأمر له حرج للغاية.. فغلبتني أصول المهنة وأيضا الفضول لأعرف معاناته والتي جعلته في هذه الحاله الصعبة كما أنه لا مانع لدي من التأخر عن البيت بسبب سفر زوجتي طبيبة النساء مع الأولاد إلى إحدى المنتجعات الشتوية على نفقة إحدى شركات الأدوية على هيئة مؤتمر ظاهريا وباطنا كترفيه..

 دخلنا سويا غرفة الكشف .. ثم بدأ حديثه.. أنا مهندس ورُزقت بمولود وعلى اعتبار أنه أول مولود لي كدت أن أطير من الفرح وأحضرت كل ما يلزمه في فترته الأولى وحتى الذي لا يلزمه..

وفي اليوم الخامس لولادته ذهبت لإحدى المحال الخاصة بمستلزمات الأطفال لأشتري له سريرا هزازا..وهناك التقيته

: من الذي التقيته؟

: سبب معاناتي

فأصبحت بعد جملته هذه أكثر تركيزا وتشوقا

ثم أكمل...شاب أبيض شعره منساب يربطه بفيوكنة كالبنات عيناه خضروان.. ذو لمسة ناعمة عندما صافحته أحسست بها..

 تجاذبنا أطراف الحديث وكان ودودا للغاية ودائم الابتسام

:أول مولود؟

:ايوه

:من إمتي؟

:من ه أيام

:خمسة...جميل..حلو..

لم أنتبه لتعليقاته ثم سألته عن السرير

فقال أن الطلبية الخاصة بالنوع الذي أريده ستأتي غدا.. فطلب مني رقم الهاتف.. وعربون .. وسوف يتصل بي عند وصول الطلبية..

فعلا كما تم الاتفاق اتصل باليوم التالي عصرا فذهبت إليه بالمحل.. لكنه قال أن المطلوب أنزله العمال بمخزن مجاور خاص بهم وعلينا الذهاب هناك لأرى وأختار

 وفي الشارع عرج على صيدلية واشترى أنبوبة مرهم لم أسأله عنها فهذا شأن خاص به..

فتح المخزن وأغلقه بإحكام وأخذ يشرح لي مميزات كل سرير ..

ثم سألني ..كيف تعيش هذه الأيام؟

:بمعنى

:حياتك الطبيعية..

:قصدك..؟

:نعم.. فالأربعون يومأ فترة طويلة ومن المؤكد أنت تتعذب

لمحت بعينيه نظرة غريبة ولم أتعودها من رجل...

: النساء لا تطاق دورة شهرية.. حمل.. ولادة. الرجل يحتاج الأمر بسيط وفي أي وقت دون موانع ودون معوقات وحتى بدون خوف من فض البكارة أو الخوف من حمل إذا كان الأمر خارج نطاق الزواج.. أحسن شئ هو الشعور بالانطلاق دون قيود

...لم أنبس ببنت شفة لأني صُعقت مما أسمعه.. ووقفت متبلدا.. وفجأة قام بوضع يده على المنطقة الحساسة الرجولية وهو يصدر همهمات نسائية وأتبعها بعناق أنثوي...

ومع حرماني من الحق الشرعي لي مع زوجتي.. بدأت أعصابي تتضعف وخارت عزيمة مقاومة الإغراء عندي.. فتفاعلت معه وفتح الأنبوبة التي أحضرها من الصيدلية وقد فهمت الآن غرضه منها.. فانكببت أنهل من رجولته الأنثوية وأنا أحس بنشوة غريبة

وعندما فرغنا شعرت بندم شديد وانهمرت دموعي وخفق قلبي شديدا وبعدما لبست هرولت مغادرا...

عكفت في البيت وأنا فاقد الشهية للحياة..

كرر الاتصال مرارا وأنا لا أرد .. إلى أن راودني الشوق إليه وجاءتني الرغبة لمواقعته.. مع عدم أخذ حقي الشرعي من زوجتي والإغراءات مستمرة حولي بالعمل بالمواصلات بالشارع..

فعلنا وفعلنا مرات ومرات.. إلا أني أفقت وانتابني يأس مفاجئ وهمت بالشوارع إلى أن لمحت اليافطة الخاصة بك وقلت أحاول .. وعلى فكرة لقد ذهبت إلى شيخ أحكي له .. نهرني وسبني وتركني حتى إنه رفض السلام علي ومن وقتها خشيت أن أتحدث مع أحد بالأمر...

 توقف الرجل عن حديثه وكأنه ارتاح عندما أخرجه من صدره..

ناولته كوبا من الماء أمامي.. وهدأت روعه .. وقللت من شعوره بالذنب.. لنبدأ من الآن العلاج ...أنت أولاً تلجأ إلى الله ليغفر لك ما أقدمت عليه.. ثم عليك بالبعد عن كل المؤثرات التي تؤدي بك إلى الإنجذاب له.. وسأكتب لك أدوية مهدئة وأخرى مثبطة للثورة الجنسية عندك على الأقل حتى تمر فترة الأربعين يوما بعد الولادة

 ثم قلت له.

:.أريدك أيضا أن تنصحه بأن يأتي لي العيادة لأتمكن من علاجه مما هو فيه ...

:..لكني لا  أريد أن تكون لي صلة من الآن به

:..صح.. لكن نريد أن ننقذه وننقذ الآخرين الذين يجرهم لطريقه كما فعل...

ترك لي عنوان المحل ثم ذهب على وعد بلقاء عند الاستشارة

وألقيت بالورقة في حافظة أوراق أمامي..

..دخلت في نوم بعد أن اطمئننت على زوجتي والأولاد.. ثم اخذت أفكر بعمق في مشكلة المريض الأخير وكيف انزلق إلى طريق منحرف بعدما كانت تسير حياته باستقامة.. وهل لحظة شهوة ممكن أن تغطي حياته بظلمة كئيبة .. وهل التعود على شيء يصير لازمة له...

صحوت وقد أتاني كابوس رهيب كنت فيه مع شخص بنفس الملامح التي وصفها لي المريض عن الرجل الذي راوده عن نفسه وأفعل به مثلما فعل هو...

فزعت جدا فأخذت حبة مهدئة ثم عاودت النوم...

الحلم بل الكابوس تكرر ليلتان أخريتان...

فأقسمت أن أذهب إلى هذا الشخص بالمحل.. بأي دافع لا أدري؟.. فأنا طبيب نفسي وأعرف أن الأحداث الحياتية تنعكس بأحلامنا...

بحثت عن ورقة عنوانه.. والتشتت يسود عقلي.. لماذا نويت الذهاب إليه؟.هل فعلا لمحاولة إقناعه بالعلاج..أم شهوة بهيمية داخلية انتابتني مثلما حدث مع المريض.. أم حبي للفضول الدائم.. أم شئ خفي يدفعني لترجمة ما رأيته بالكوابيس...

زفرت زفرة عاتية وأنا أنظر إلى الشهادة المعلقة على الجدار خلف مكتبي بالعيادة ثم قبضت على الورقة الخاصة بالمحل وأنا كأني مبرمج لعمل كل هذه الخطوات

 أدرت السيارة متجها إلى موقع المحل..وأنا مقترب منه رن الهاتف كانت زوجتي على الطرف الآخر تخبرني بأنها في الطريق

د.محمد

   لأنها قطعت الإجازة بسبب وقوع حادث لابننا الصغير حيث ارتطمت رأسه بأحد الألعاب وستأتي لعمل الفحوصات والتأكد من سلامته، أوقفت السيارة وأنا أستدير مبتعدا عن المحل وأقول: (استغفرالله... أستغفر الله)