عصير القلم

اعتصم بأحلامك

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الانسان‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬التي‭ ‬يمتلئ‭ ‬بها‭ ‬الكون‭ ‬الفسيح‭ ‬هو‭ ‬الاحلام‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬ملموس‭.‬

الانسان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحلم‭ ‬يعيش‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬بوصلة‭ ‬تحدد‭ ‬موضع‭ ‬قدميه‭ ‬وترشده‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭.‬

مهما‭ ‬بدت‭ ‬أحلامك‭ ‬بعيدة‭ ‬وصعبة‭ ‬المنال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تؤمن‭ ‬بقدرتك‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬،‭ ‬فكل‭ ‬الناجحين‭ ‬الذين‭ ‬بلغوا‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ ‬ولامسوا‭ ‬السحاب‭ ‬بأيديهم‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الايام‭ ‬أشخاص‭ ‬عاديين‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬شيئا‭ ‬سوى‭ ‬احلامهم‭ ‬الكبيرة‭ ‬وارادتهم‭ ‬القوية‭ ‬في‭ ‬تحقيقها‭.‬

لدينا‭ ‬نموذج‭ ‬حي‭ ‬ملهم‭ ‬متمثل‭ ‬في‭ ‬النجم‭ ‬الكروي‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬الريف‭ ‬وتحديدًا‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬نجريج‭ ‬الى‭ ‬نادي‭ ‬المقاولون‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬سوى‭ ‬موهبته‭ ‬وأحلامه‭ ‬العريضة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬لاعبًا‭ ‬مشهورًا‭ ‬يشار‭ ‬له‭ ‬بالبنان‭.‬

وحفر‭ ‬بأصابعه‭ ‬في‭ ‬الصخر‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬ينتم‭ ‬الى‭ ‬الاهلي‭ ‬الزمالك‭ ‬أكبر‭ ‬الاندية‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظه‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬بالتدليل‭ ‬الاعلامي‭ ‬والحصانة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬ولم‭ ‬يتمتع‭ ‬بالمجاملات‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬لاعبو‭ ‬القطبين‭ ‬الكبيرين‭ ‬ويتم‭ ‬اختيارهم‭ ‬في‭ ‬المنتخبات‭ ‬الوطنية‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مستواهم‭ ‬ووجود‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬افضل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬اندية‭ ‬اخرى‭.‬

وسافر‭ ‬الى‭ ‬سويسرا‭ ‬ليلتحق‭ ‬بنادي‭ ‬بازل‭ ‬وهو‭ ‬نادي‭ ‬صغير‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬الاوروبية‭ ‬ولكن‭ ‬الفتى‭ ‬الصغير‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يخطف‭ ‬انظار‭ ‬الكبار‭ ‬وانتقل‭ ‬الى‭ ‬نادي‭ ‬تشيلسي‭ ‬الانجليزي‭ ‬واصبح‭ ‬لاعبًا‭ ‬في‭ ‬الدوري‭ ‬الاقوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬وتنقل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬اندية‭ ‬فيورنتينا‭ ‬الايطالي‭ ‬وروما‭ ‬الايطالي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حط‭ ‬الرحال‭ ‬في‭ ‬ليفربول‭ ‬الانجليزي‭ ‬لتتفجر‭ ‬موهبته‭ ‬ويعانق‭ ‬احلامه‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬كل‭ ‬الارقام‭ ‬القياسية‭ ‬،‭ ‬وفازبكل‭ ‬الالقاب‭ ‬الجماعية‭ ‬والفردية‭ ‬ودخل‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬أوسع‭ ‬أبوابه‭ ‬لانه‭ ‬آمن‭ ‬بحلمه‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭.‬

لَا‭ ‬شَيء‭ ‬مُستحيل‭ ‬،‭ ‬بالمَعنى‭ ‬الحَرفي‭ ‬للجُملة‭ ‬،‭ ‬ولو‭ ‬توقف‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬حالم‭ ‬عند‭ ‬كلمة‭ ‬مستحيل‭ ‬لتسربت‭ ‬أحلامه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وصارت‭ ‬هباءا‭ ‬منثورا‭.‬

ولدينا‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬ملهمة‭ ‬لفتَاة‭ ‬صغيرة‭ ‬اسمها‭ ‬نادية‭ ‬نديم‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬استطاعت‭ ‬ان‭ ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬بلادها‭ ‬وهي‭ ‬بعُمر‭ ‬الـ‭ ‬11‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬والدها‭ ‬هُنَاك‭ ‬أمام‭ ‬عينيها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جنود‭ ‬طالبان‭ .‬

كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬موهبة‭ ‬رياضية‭ ‬فذة‭ ‬في‭ ‬كُرة‭ ‬القَدم‭ ‬وتم‭ ‬منحها‭ ‬الجنسية‭ ‬الدنماركية‭ ‬ومثلت‭ ‬منتخب‭ ‬الدنمارك‭ ‬في‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬99‭ ‬مباراة‭ ‬دولية‭ ‬ولعبت‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬اكبر‭ ‬الاندية‭ ‬الاوروبية‭ ‬مثل‭ ‬نادي‭ ‬باريس‭ ‬سان‭ ‬جيرمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬ومانشستر‭ ‬سيتي‭ ‬الانجليزي‭ ‬وسجلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬هدف‭ ‬عبر‭ ‬مسيرتها‭ ‬الرياضية‭ ‬الحافلة‭ .‬

ولم‭ ‬يشغلها‭ ‬نجاحها‭ ‬الرياضي‭ ‬عن‭ ‬طموحها‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬طبيبة‭ ‬ناجحة‭ ‬ومشهورة‭ ‬،‭ ‬وأكملت‭ ‬نجاحها‭ ‬وتخرجت‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬وأصحبت‭ ‬طبيبة‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬مستشفيات‭ ‬العاصمة‭ ‬الدنماركية‭ ‬كوبنهاجن‭ . ‬

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬نادية‭ ‬تتحدث‭ ‬9‭ ‬لُغات‭ ‬بطلاقة‭ ‬تامة‭ ‬،‭ ‬ويشار‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬باعتبارها‭ ‬نموذجا‭ ‬رياضيا‭ ‬وعلميا‭ ‬ناجحا‭ .‬

ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬مصير‭ ‬نادية‭ ‬لو‭ ‬ظلت‭ ‬بين‭ ‬جبال‭ ‬تورا‭ ‬بورا‭ ‬في‭ ‬افغانستان‭ ‬حيث‭ ‬ينتهي‭ ‬بها‭ ‬الحال‭ ‬محظية‭ ‬لأحد‭ ‬مشايخ‭ ‬طالبان‭ ‬أو‭ ‬جارية‭ ‬يتم‭ ‬تقديمها‭ ‬لأحد‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬جهاد‭ ‬النكاح‭. ‬

هذه‭ ‬القصص‭ ‬الملهمة‭ ‬تحتم‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تعتصم‭ ‬بأحلَامك‭ ‬بَعد‭ ‬خَالقك‭ ‬،‭ ‬وتؤمن‭ ‬بقدرتك‭ ‬على‭ ‬معانقة‭ ‬السحاب‭.‬

;