الحياة بعد الستين.. بداية طريق جديد

الحياة بعد الستين
الحياة بعد الستين

يشهد متوسط أعمار الافراد على مستوى العالم زيادة منذ سنوات، نتيجة تحسن الأوضاع الصحية على مستوى العالم مع التقدم العلمي وتحسن سبل ووسائل الرعاية الصحية، ماجعل من مقولة "الحياة تبدأ بعد الستين" حقيقة نعيشها جميعا، فلم يعد بلوغ سن المعاش نهاية المطاف، بل أنه في الكثير من الأحيان بداية لحياة جديدة، أو على الأقل استمرارا لنفس الحياة والعمل.

فتبدلت الصورة النمطية المعتادة لكبار السن، من كونهم أناس مسنين يتقاعدون فور وصولهم سن المعاش، يعانون أمراض الشيخوخة والوهن والضعف، يسيرون على عكاز أو حتى كرسي متحرك، وأصبحنا نشاهدهم فى مختلف مناحى الحياة العملية، يشاروكونا فى أعمال مختلفة، سواء مكتبية أو يدوية وبدنية.

فنرى البائع الذي قضى سنوات شبابه ورجولته ثم كهولته في التجارة، لم يتوقف عند بلوغ الستين، بل أنه مستمر فى عمله منذ أن بدأه من 55 عاما، والآن تجاوز عمره الـ 75 عاما وهو مستمر فى عمله، "لو بطلت اشتغل أمرض وأموت" هذا ما أكده عم محمود تاجر الخضر والفاكهة الذى جاء من بلدته بالصعيد ليستقر ويتزوج ويعمل بالقاهرة.

اقرأ أيضاً|الرعاية الصحية بالسويس: 104 مرضى بالعناية والمجمع الطبي يعمل بشكل طبيعي ولم يتأثر بالماس الكهربي

عم محمود استطاع أن يساعد أولاده إلى أن بدأ كل منهم في شق طريقه، ولم يرغب في أن يجلس بالمنزل وينتظر من يساعده من أبناءه، قائلا " طول ما فيا صحة يابنتى هشتغل، وربنا يقدرني وأفضل سند وضهر ليهم لأخر يوم في عمرى".

اقرأ أيضاً|صالون دار الحكمة الثقافي يناقش «كلام العلم في تطوير الخدمات العلاجية» 

بينما بعد أن أمضى الحاج إبراهيم سنوات عمله كموظف بإحدى الشركات، بدأ بعدها حياة جديدة بمشروع جديد أسسه بمكافئة نهاية الخدمة التى حصل عليها بعد الوظيفة، قائلا "طول مافينا صحة ونفس ليه نقعد ونستنى الموت، وكأن بلوغ سن المعاش هو الوصول لنهاية الرحلة".

وأستطاع عم إبراهيم وهو اليوم صاحب الـ 80 عاما أن يكون له حياة جديدة مختلفة عن حياته قبل المعاش، ويسعد بين عمله فى مشروعه الخاص وبين حياته مع الأحفاد.

وتسائل تقرير نشرته الـ "بي بي سي" هل يجب أن نعمل في سنوات متقدمة من العمر؟ هل أصبح ذلك ضرورة اقتصادية للأفراد والدول؟ وما هي المعوقات التي تقف أمام عمل كبار السن؟ وهل هناك فوائد صحية للعمل في سن "الشيخوخة"؟

وأوضح التقرير أنه بين كل 10 أشخاص في اليابان واحد فوق الـ 80 عاما، ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن الآفاق السكانية للعالم، نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر تزداد بمعدل أسرع من معدل زيادة نسبة السكان الأصغر عمرا.

هذه الفئة العمرية تبلغ حاليا حوالي 10 في المئة من إجمالي عدد سكان الكوكب، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 16 في المئة بحلول عام 2050، وهو ما سيعني أن عدد الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر سيصبح ضعف عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام، ويكاد يساوي عدد الأطفال تحت سن الـ12 عاما.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، بحلول عام 2030 سيكون واحد من بين كل ستة أشخاص في العالم قد بلغ سن 60 عاما أو أكثر.

تقول دوروثيا شميت كلاو، مديرة فرع التوظيف وأسواق العمل والشباب بقسم السياسات التوظيفية بمنظمة العمل الدولية، في تقرير الـ "بي بي سي" إن أحد الخيارات للتغلب على ذلك هو "أن يعمل الأشخاص لفترة أطول، وأن يُسمح لمزيد من كبار السن بالبقاء في القوة العاملة أو إعادة الانضمام إليها، هذا خيار مهم جدا، ليس فقط لأنه سيقلل نسبة المسنين غير العاملين، ولكن لأنه سيعني أيضا أن العمال الأكبر سنا سيسهمون بشكل نشط في تخفيض معدل الفقر الذي يعاني منه المسنون، والذي يتسبب في قلق متنام للمجتمعات التي تعاني من شيخوخة السكان".

وتضيف شميت-كلاو "لكي نكون واضحين تماما، نحن نتحدث هنا عن الأشخاص الذين يرغبون في أن يعملوا لسنوات أطول وأن يظلوا نشطين في أسواق العمل، لا ينبغي إجبار أي شخص على مواصلة العمل، ولا سيما بالنظر إلى أن كثيرا من الأشخاص الأكبر سنا ليسوا في حالة بدنية تؤهلهم للعمل، كما ينبغي أن تكون هناك نظم حماية اجتماعية مستدامة لحماية هؤلاء الأشخاص ضد الفقر".

وهناك العديد من العوامل التي يجب أن تتوفر لمساعدة كبار السن على مواصلة العمل أو بدء عمل جديد، من بين هذه العوامل، برأي شميت-كلاو، تقرير إذا ما كان "سن التقاعد الإجباري يفي بالغرض في المجتمعات التي تشهد شيخوخة سكانية"، و"التغلب على التحيز ضد كبار السن"، وإجراء تعديلات في أماكن العمل تسهل عمل الموظفين الأكبر سنا والاستفادة من خبراتهم.

متابعة "كثير من هؤلاء لا يبحثون عن أجور أعلى، ولكن ظروف عمل أفضل تفي باحتياجاتهم. وكل ذلك يحتاج إلى أطر سياسية شاملة، ونظام حماية اجتماعية قوية، ودعم من أرباب العمل والعمال على حد سواء، وهذا أمر يمكن تحقيقه من خلال حوار اجتماعي، إذا تأتّى تحقيق كل هذه الأمور، من الممكن أن تصبح الشيخوخة السكانية فرصة جيدة يستفيد منها الجميع".