«حرب الملاعق» قصة قصيرة للكاتب إبراهيم الديب

الكاتب إبراهيم الديب
الكاتب إبراهيم الديب

من طقوس الريف المصري منذ القدم: أن المزارعين كانوا يحرصون على الاحتفال: بإعداد وليمة من الطعام في أغلب مواسم الحصاد، ومنها أثناء إلقاء البذور، وخاصة محصول الأرز، وذلك لأهمية الزراعة في حياة المصريين منذ القدم، فمصر أبدعت حضارة على غير مثال سابق، فلم تكن هناك محاولة سبقتها على المعمورة لتنسج مصر على منوالها، ولا تجربة بشرية في العمران منذ فجر التاريخ وصبوته حتى تستلهما مصر وتنقلها لأرضها، فدول الجوار هي من قامت باستلهام الحضارة المصرية بل مصر قامت بتصدير الحضارة للبشرية قاطبة.

دعك من كل التفلسف الذهني ونظريات الكتب التي تسكن رأسي، ثم أقوم بيني وبين نفسي باستعادة كل ذلك، والقيام بالإضافة إليه حينا، أو الحذف منه أحيانا أخرى، والاستمتاع بذلك الفعل من: جديد على سبيل التمارين الذهنية، والرياضة العقلية.

 

فالذي أوليه أهمية هو: احتفال نثر بذور الأرز في الأرض, بعد إغراقها بالماء، ويسمي هذا الطقس عند المصريين منذ القدم" بالمدامسة"  يأخذ الاحتفال في طقوسه البسيطة شكل البهجة، فتعد له وليمة  بهذه المناسبة عبارة عن؛ مجموعة من الحلل الكبيرة، بعد أن تطهى بالأرز, واللبن الجاموسي، وهذ الطعام مخصص؛ للعمال الزراعيين الذين يعملون بنثر البذور تحية وتكريما  لهم من مالك الأرض الكريم.

 كانت هناك مجموعة من المهمشين، تنتظر هذا الطقس المقدس كل عام، من أجل الانقضاض  دون دعوة على طعامه، لا تأخذهم به شفقة، هؤلاء الأشخاص ليسوا من العمال، ولا هم من أصحاب الأرض، ولكنهم أشعبيين نسبة لأشعب: صاحب مذهب" خسارة بطني ولا كب الطبيخ"، ينتظرون خروج الحلل من البيوت ومن ثم مراقبتها أثناء رحلتها عن كثب، وهي تنقل على ظهر الحمير إلى الحقول، يتتبعون خطاها بشغف كبير، من أجل المشاركة في الهجوم  عندما يبدأ الاحتفال؛ بالتهام أكبر كمية من الأرز, واللبن هذه المجموعة المسلحة بالملاعق المخبئة في جيب الصديري خصيصاً من أجل المعركة التي اقترب وقوعها مع الحلة أثناء الاحتفال بالطقس المقدس منذ عهد الفراعنة، ومن ثم الهجوم المباغت  في أول الأمر على: وشها الذي يتكون أغلبه من؛ اللبن الصافي الذي يعلو الأرز غير مختلط به، والذي يتميز بطعم ولا أشهى  للفوز بأكبر كمية من اللبن الجاموسي الدسم المدخن .

 

 هذه المجموعة التي تتمتع بخفة الظل معها خريطة جميع الحقول، وموعد اليوم المحدد الذي يتم الاحتفال فيه، وكان هناك  مجموعة من الصبية تقوم بمساعدة المجموعة أشعبية المذهب والهوى بأماكن الاحتفال المسلحة بالملاعق المخبأة  داخل جيب الصديري، بأخبار الحلل التي لا يعلم بها الأشعبيين، والحقل الذي يكون مستقرا لها، ثم ينطلق الجميع لا تنقصهم روح أشعب وشغفه وحرصه للطعام، وعلى استعداد للقتال من ذلك حتى الموت، ثم يعملوا ملاعقهم فيها بحرفية يحسدون عليها بلا هوادة ، فتتلاقى ملاعقهم ،التي تحولت لأسلحة مشرعة ماضية، مع بعضها أثناء رحلة الصعود للفم محملة، والهبوط منها مرة أخرى فارغة وصولا لقلب الحلة، ينتج هذا الاحتكاك، صوت اعتادته: الأذن في مواسم الحصاد وعلى حواف الحقول، هو أقرب لصوت صليل السيوف أثناء القتال، وهي في طريقها: لتجريف الحلة من: الأرز واللبن.