فى باريس .. التحقيق فى شبكة فساد وتضليل إعلامى يتزعمها دكتور إخوانى

رشيد مباركى
رشيد مباركى

مى‭ ‬السيد

  تواصل السلطات الفرنسية تحقيقاتها فى فضيحة التدخل الخارجى والتأثير فى الرأى العام، ضمن جماعات ضغط تنشر معلومات إما مضللة أو مدفوعة بأجندات خارجية، خاصة المشهد السياسى، فى وسائل الإعلام الفرنسية، بجانب التلاعب واسع النطاق بوسائل التواصل الاجتماعى من قبل مرتزقة الإنترنت، فى محاولة للتأثير على قضايا بعينها، حيث تستخدم شركة إسرائيلية لهذا الغرض، واتهم فيها عضو فى جماعة ضغط، ومحلل سياسي مقرب من جماعة الإخوان الإرهابية، ونائب فى البرلمان الفرنسى عن حزب الخضر، وفى قلب الفضيحة مذيع سابق فى قناة أخبار، تعد ضمن الأكثر مشاهدة فى فرنسا.

وأثيرت تلك القضية، التى نشرت تفاصيلها وسائل الإعلام الفرنسية، ضمن تحقيق دولى من قبل مجموعة من الصحفيين؛ حيث كشفت عن حجم الفساد النشط والسلبى والإتجار بالنفوذ فى البلاد، ويواجه الفريق، ثلاث لوائح اتهام تتمثل فى خيانة الأمانة، وغسل الأموال، والاحتيال الضريبى، ورغم مرور أكثر من عام على بدء التحقيق فى القضية، إلا أن التحقيقات حول الموضوع آخذة فى الارتفاع.

وتبين أن المتهمين فى القضية هم: رشيد مباركى مذيع فرنسى بارز، وجان بيير دوثيون، عضو جماعة الضغط، وهوبير جوليان لافيرير، عضو مجلس النواب، بجانب نبيل النصرى، أستاذ العلوم السياسية والعضو المقرب من جماعة الإخوان الإرهابية، وأيضا صموئيل وجوناثان سيمون سيليم، اللذان يعتبران وسطاء.

بداية القضية

قبل عشرة أشهر، فى 15 فبراير 2023، فجرت «ستورى كيلرز»، بدعم من «فوربيدن ستوريز» للصحفيين الاستقصائيين، قضية تضليل إعلامى بطلها جماعة ضغط ومكاتب خارجية، تستخدم شركة إسرائيلية تُدعى Team Jorge، متخصصة فى هذا المجال لصالح عملاء مختلفين، بما فى ذلك الدول، حيث كانت سببًا فى نشر الأخبار المزيفة والمغرضة على القناة الفرنسية الشهيرة «بى إف إم تي في»، وأطلق على الفريق الإسرائيلى لقب فريق خورخى.

وكشفت التحقيقات عن أن الشركة الإسرائيلية الغامضة، مسؤولة عن العديد من عمليات التلاعب فى جميع أنحاء العالم، وكان من بين عملائها المزعومين شركات خاصة وسياسيين أغرتهم الخدمات «الجاهزة» التى تقدمها الشركة، من اختراق أجهزة الكمبيوتر إلى كتالوج يضم 30 ألف روبوت آلى وجمع المعلومات الاستخبارية؛ حيث قدم «فريق خورخى» مجموعة واسعة من الخدمات غير الرسمية لتوجيه الرأى العام والانتخابات. وتمكنت الشبكة الاستقصائية من التواصل مع «خورخى» رئيس الشركة الإسرائيلية، الذى قاد عملية التأثير، حيث صوروه سرًا عبر الانترنت خلال إجرائه اجتماعات مع الصحفيين، الذين تظاهروا بأنهم مشترين محتملين وذلك فى عام 2022، وكشف لهم أنه يمكنه حتى بث رسائل عملائه على التلفزيون الفرنسى.

مذيع شهير

وباعتباره أحد الوجوه الرمزية لقناة «بى إف إم تى فى» الإخبارية، وجد رشيد مباركى نفسه فى قلب الفضيحة فى فرنسا، وفى مقطع فيديو عرضه «خورخى» للعملاء المحتملين، لإظهار أن نفوذه امتد إلى فرنسا، كان مباركى يقرأ بيانًا حول العقوبات الأوروبية ضد روسيا، والتى يقترح أنها قد تكون وخيمة على صانعى اليخوت فى روسيا.

بعد تفجر الفضيحة استدعى المذيع من قبل لجنة التحقيق التابعة للجمعية الوطنية فى مارس 2023، حيث نفى تلقى أموال من جماعة الضغط لبث أى معلومات، قائلا؛ «لم يكن هناك أى سؤال حول الأجر أو أى فائدة أخرى على الإطلاق»، وطوال التحقيقات حافظ المذيع على روايته.

على الجانب الآخر فحصت القناة المقطع وغيره من المقاطع التى انحرفت عن الخط التحريرى للقناة، ودون سابق إنذار أنهت عقد مباركى فى فبراير 2023، مشيرة إلى «وجود أدلة لإدراج غير المصرح به للمعلومات وانتهاك قواعد التحرير»، وعندما استجوبته إدارة القناة، ادعى أنه اتبع «إرادته التحريرية الحرة».

لكن فى ديسمبر 2023 انهار المذيع الشهير، عقب اكتشاف معلومات جديدة، واعترف مباركي بـ «تلقى مبالغ مالية رشوة» أثناء استجوابه من قبل اللواء المالى لشرطة باريس، حسبما ذكرت صحيفة لو باريزيان، مؤكدًا أنه تلقى ما بين 6000 إلى 8000 يورو نقدًا من «جان بيير دوثيون» المتهم الثانى، فى خمس أو ست مناسبات، وفى إحدى المرات، زعم أن «دوثيون» زوده بالأموال لقضاء الإجازات. ووفقًا للرسائل التى عثر عليها المحققون على هاتف «دوثيون»، كان الصحفى يرسل صورًا لجهاز الملقن الخاص به، ويغير النص أحيانا بناءً على طلب جماعة الضغط قبل البث مباشرة، ووجهت إليه اتهامات بتهمتى «الفساد السلبى» و»خيانة الأمانة»، كما ابلغ عنه بتهمة الـ»شهادة زور» أمام لجنة تحقيق برلمانية.

مرتزق المعلومات المضللة

                    جان بيير دوثيون

أما جان بيير دوثيون، عضو جماعة الضغط، والذى ذكر اسمه مباركى خلال اجتماعه الأول مع إدارة «بى إف إم تى فى»، فقد كان دوثيون، الذى يُشار إليه عادةً باسم «مرتزق» المعلومات المضللة، مدفوعًا فى المقام الأول بالربح، وصنع لنفسه اسمًا فى المشهد الإعلامى الفرنسى من خلال تأريخ الأيام الأولى للثورة السورية.

ومثل مباركى، نفى دوثيون المشاركة فى أى معاملات مالية فى يناير 2023، لكن قوات الشرطة التى تحقق فى القضية توصلت إلى أن دوثيون متهم بدفع ما بين 6000 إلى 8000 يورو بعد التواصل مع مباركى عدة مرات فى العامين الماضيين، وهنا ذكر اسم جديد وأكد أنه أقنع أيضا ممثل حزب الخضر هوبرت جوليان لافيرير، بالترويج لمشروع عملة مشفرة مشكوك فيه.

وفقا لوسائل الإعلام، حصل دوثيون على حوالى 7500 يورو نقدًا كل شهر طوال الجزء الأكبر من العام الماضى من قبل نبيل النصرى، وهو محلل سياسى متخصص وصديق مقرب من جماعة الإخوان، إلا أنهما اختلفا منذ ذلك الحين، وفى مقابلة مع راديو فرنسا، صرح محامى دوثيون، أن موكله أصبح «كبش فداء».

فى أكتوبر 2023، واجه دوثيون سلسلة من لوائح الاتهام، بما فى ذلك «فساد موظف عمومى فى منظمة إجرامية»، و»الفساد الخاص»، و»استغلال النفوذ»، و»العمل المخفى»، و»غسل الاموال والاحتيال الضريبى المشدد»، والكذب بشأن إعلان نفسه ممثلا لمصالح الهيئة العليا لشفافية الحياة العامة، وفى 12 يناير الماضى، اعترف أمام القاضى برشوة المذيع مباركى.

عضو النواب 

                 هوبير جوليان لافيرير

أما النائب هوبير جوليان لافيرير، فظهر اسمه بعد اعتراف عضو جماعة الضغط بمشاركته فى الترويج  لمشروع عملة مشفرة مثير للجدل أمام الجمعية الوطنية، كما طلب منه أن يجمع توقيع  77 من زملائه على رسالة مفتوحة يدينون فيها مصير شخصيات المعارضة البنينية المسجونة، وبالفعل أثناء الأسئلة الموجهة إلى الحكومة فى 26 يوليو 2022، استجوب جوليان وزير الخارجية حول هذا الموضوع، فى الوقت الذى كان يقوم فيه إيمانويل ماكرون بزيارة رسمية إلى بنين.

وتشير وسائل الإعلام، إلى أن النائب حصل على أجر من نبيل النصرى، وبحسب معلومات وحدة التحقيق فى إذاعة فرنسا ولوموند، فإن نبيل النصرى كان يتلقى 30 ألف يورو شهريا من سفارة خليجية والمجلس الوطنى لحقوق الإنسان فى نفس الدولة، بالإضافة إلى بعض المكافآت التى تبلغ عدة مئات من اليورو لمدة عام تقريبا، ولم توجه إلى جوليان المحمى بالحصانة البرلمانية، اتهامات رسمية بعد.

فتش عن الإخوان

                         نبيل النصرى

أما نبيل النصرى، أستاذ العلوم السياسية، فحتى أكتوبر 2023، كان يعتبر شخصية مألوفة فى المشهد الإعلامى الفرنسى، ولم يكن مدرجا فى التقارير المتعلقة بفضيحة الفساد، وفى ذلك الشهر تم الكشف عن علاقته بالفضيحة الكبيرة، وألقت الشرطة القبض عليه ووضعه رهن الحبس.

وخلال حياته المهنية، فعل النصرى، كما تقول لو بوينت الفرنسية، كل شيء من أجل تحقيق جميع المتطلبات اللازمة للانضمام إلى جماعة الإخوان الإرهابية؛ حيث يعتبر الابن الروحانى لطارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا فى فرنسا، ومرتبط أيضا بجوليان لافيريير، المشتبه فى قيامه بتضخيم حملات التأثير فى فرنسا.

بين عامى 2022 و2023، يقال إن جوليان لافيريير التقى نبيل النصري فى مناسبات متعددة، لا سيما من خلال المكالمات الهاتفية أو الإتصالات الإلكترونية أو الإجتماعات وجها لوجه، ووفقا لمعلومات من لوموند، قدم النصرى أموالا للنائب بطريقة منتظمة، وتم توجيه الإتهام إليه بـ»خيانة الأمانة»، و»الفساد والإتجار بنفوذ الموظفين العموميين»، و»غسل الأموال والاحتيال الضريبى المشدد»، وذلك فى إطار التحقيق القانونى فى شبهات فساد وتهريب نفوذ تتعلق بشخصيات فرنسية.

اقرأ  أيضا : بتهمة الإتجار فى البشر .. الشرطة الفرنسية تعتقل أستاذ لليوجا وطائفته

;