«الفخراني» الروائي الفائز في معرض الكتاب: الحرب في «بيت الطباخة» بلا عدو!

محمد الفخرانى
محمد الفخرانى

حين يلتقى عدوان داخل خندق واحد،ويقتربان من بعضهما البعض، ويعيشان نفس الخيال، فيتحول العداء إلى صداقة والحرب إلى سلام، وفى أجواء بالغة الخصوصية تدور أحداث رواية «غذاء فى بيت الطباخة» للروائى محمد الفخراني، الحاصلة على جائزة معرض الكتاب هذا العام، وهى ليست أول جائزة للأديب فقد سبق، وأن حصد العديد من الجوائز من بينها: جائزة الدولة التشجيعية فى فرع القصة القصيرة عن مجموعة «قبل أن يعرف البحر اسمه» عام 2012، وجائزة معهد العالم العربى فى باريس عن روايته «فاصل للدهشة» عام 2014، والفخرانى مهموم بالكتابة حتى أنه أصدر 12 كتابا ما بين الرواية والمجموعة القصصية، منتقلاً بين مناطق كتابة مختلفة فهو يميل إلى التجربة مثلما فعل فى روايته التى حصدت جائزة المعرض، ونسأله فى بداية حوارنا معه:

 كيف يمكن أن يعالج المبدع موضوعًا شائعًا مثل الحرب بشكل مختلف عما قدم قبل ذلك؟
قبل أن أبدأ فى كتابة «غداء فى بيت الطباخة»، كان لديّ سؤال: كيف أُقدّم شيئًا جديدًا، وأنا أكتب عن موضوع شائع فى الكتابة، وحتى فى السينما، فكان أحد الحلول أن تتكلّم الحرب بنفسها، وتتحوّل إلى ما يمكن أن يكون بشراً.. لديها مشاعر، وأفكار وأحلام، وتساؤلات عن نفسها، وعن الإنسان. لن نرى حربًا محددة تدور فى الرواية، فقط نعرف فى حربٍ ما، ونشعر بهذا فى الخلفية من وقت إلى آخر. أيضًا اخترتُ بشكل أساسى أن تكون الرواية قصيرة، وبها شخصيتان فقط، ومكان محدود، وأحد الشخصيتين له علاقة بالطعام، أقصد صناعة الطعام، والآخر مُدرِّس، وكان اختيار «مدرِّس تاريخ» منطقيًّا، كذلك اللغة، وأشير هنا، إلى أن الرواية كلها خالية من كلمة «عدو»، أو أى من مشتقاتها، رغم أنها عن الحرب.

اقرأ أيضاً| أحمد رجب يكتب: «أنا جوز شادية» !


بالمناسبة.. لماذا تفضل الأسماء المجردة لشخصياتك مثل: الحرب أو المهن مثل الطباخ أو مدرس التاريخ؟
أتعمّد أحيانًا ألّا تحمل شخصياتى الروائية أسماء معتادة، وإنما تحمل لقبًا، أو وصفًا، أو شيئًا آخر أُعرّفها به، لأنّ الأسماء العادية بطبيعة الحال تدلّ على هوية وثقافة محددة، فى الوقت الذى أريد للشخصية أن تكون حرة، بحيث يمكن لها أن تكون من أيّة هوية أو ثقافة أو مكان أو زمن. أيّ اسم عادى سيجعل القارئ، على الأقل فى البداية يتخيّل صورة أو فكرة ما عن الشخصية (مثلًا.. على الأرجح سيكون قد مَرّ فى حياة القارئ شخص يحمل الاسم نفسه)، بينما أريد للشخصية أن تُشَكِّل نفسها بنفسها فى عقله ووجدانه.

 فى روايتك «فاصل للدهشة»، ومجموعتك الأولى «بنت ليل» هناك نزوع إلى عالم الهامش و«العشوائيات» بواقعيته البالغة، لكن فى أعمالك الأخرى هناك نزوع إلى الخيال المنطلق فى معظم الأحيان، و«الرومانسية» فى بعض الأحيان، هل تؤمن بوجود مراحل للكتابة لدى كل أديب، أم أنه كما يرى البعض معظم الأدباء يعيدون تدوير نفس العالم بأشكال مختلفة؟



يمكن تسميتها مراحل فى الكتابة، أو شيئًا آخر، لكنى على أيّ الأحوال أُفَضّل الانتقال بين عوالم مختلفة فى الكتابة، لا أنْ تكون جُمْلة واحدة يتم التنويع عليها. هناك أفكار شائعة عن الكتابة، ويجرى التعامل معها، وكأنها حقيقية، مثل أنّ كل مبدع لديه رواية يمكن اعتبارها الرواية الأم، تدور حولها بقية رواياته، وأنه لا جديد فى الكتابة، وكل الموضوعات قد جرى كتابتها، برأيى هذه أفكار غير صحيحة، وغير طموحة، وهى تخصّ فقط مَنْ يقولها، لأنه لو أنّ الحكاية/ الكتابة كذلك، فلا داعى للكتابة. فى الوقت نفسه هناك خيط، روح، حالة، داخل كل ما أكتبه رغم تنوُّع الموضوعات والأفكار، فمثلما العالم متنوّع، وأتكلّم هنا عن الكون كله، حتى بكواكبه البعيدة، مثلما هو متنوّع، لكنه فى الوقت نفسه كونٌ واحد، كذلك يمكن التنويع، والانتقال بين موضوعات مختلفة للكتابة بعيدة عن بعضها البعض ، لكنها كونٌ واحد. كل كتاب أنتهى منه أعتبره مساحة جديدة أكسبها فى العالم.

من ناحية أخرى، تغرى الجوائز بعض الأدباء على البقاء فى نفس مساحة الكتابة المضمونة، بل إن البعض يتبع طرقًا بعينها فى الكتابة باعتبارها الأقرب إلى الحصول على الجوائز.. كيف ترى ذلك؟


ربما تُغرى الجوائز الأديب بالاستمرار فى الموضوعات، والأساليب التى حصل بها على جائزة، لكن هذا سيؤدى به إلى الثبات فى مكانه. كما أنّ لحظة الفوز بجائزة تتطلّب تَجَمُّع عدّة ظروف معًا، وليس فقط أن يكون لديك رواية رائعة تستحق جائزة. برأيى أن الحصول على جائزة هو أدعى للأديب أن ينتقل إلى موضوعات جديدة لا أن يستمر فى الموضوع نفسه، الكتابة هنا لنغامر معها وننطلق بها إلى أفق جديد فى كل مرة.