«لحظة توحدت فيها الأحاسيس» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

«لحظة توحدت فيها الأحاسيس» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني
«لحظة توحدت فيها الأحاسيس» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

«لحظة توحدت فيها الأحاسيس» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

لمحة خاطفة حدثت فجأة التقت فيها العيون بعضها مع بعض بالحوار الصامت، كل منهم ذهب في طريقة ولما عادت فوزية إلى البيت، لم تزل تتذكر تلك العيون التي استباحت أعماقها بسرعة البرق ووقعت في قلبها، وأمست تواصل التفكير والسرحان في تلك اللحظة وهي جالسة في غرفتها تتأملها.

 فطرقت الباب أختها الصغيرة وقالت: يا فوزية تعالي إلي العشاء

: لم ترد شاردة تحاور النغم

ففتحت الباب أختها وكررت: هلمي بنا إلى العشاء.

فقالت بإصرار غريب: لا أريد الليلة عشاء فقط اتركوني لوحدي.

وفي اليوم التالي تذهب الي الجامعة كعادتها والتقت بزميلتها فشعرت زميلتها بشرودها فطرحت عليها هذا السؤال: مالي أراك ساهمة؟

 ردت عليها لا شيء، وتبتسم وتتمتم بكلمات غير مفهومة تعود الي بيتها تمارس الشوق عبر الورق فتخط مشاعرها على تلك الأوراق.

تقدم لخطبتها أكثر من شاب على مستوي من الخلق والدين والجمال بعضهم له المكانة العالية ـ ولكنها رفضتهم جميعا بإصرار تتعذر بأنها تريد مواصلة دراستها الجامعية، فتحدثها أمها بان رفضها ذلك وإصرارها على تكملة الدراسة بدون زواج قد يؤدي بك يا بنتي إلى العنوسة

فقالت: لا عليك يا أماه لا تفقدي الأمل فإذا كان لي نصيب سوف أخذه

 فلا يكون أمام ألام إلا الصمت .

 في الليل تبدأ تنظر للقمر تسامره ثم تبث أشواقها في الأوراق

 فتعبر عن مدي حنينها للقاء ذلك الشخص الذي استقر في أقصي زوايا قلبها، واستمرت كل يوم وهي علي هذا الحال كلما تقدم عريس ترفضه فهي لا ترى إلا سواه الذي تستطيع أن تعيش معه ـ لكنها لا تعرف من أي مكان وزمان أتي.

وتواصل رحلتها التعليمية في الجامعة فهي الآن في المستوي الثالث تذهب إلي الجامعة ومعها زميلتها مها ،فهي أعز صديقة لها وتعرف عنها كل شيء حتي أحاسيسها تشعر بها تحاول إن تجعلها تنطق ولكن فوزية استطاعت أن تتماسك بالصمت وأتمت عامها الدراسي بنجاح وانتقلت إلي المستوي الأخير.

 

 وفي أحد الأيام زارتها صديقتها مها وجلستا في الغرفة لوحدهن كالعادة وبدأت مها تناقش معها فكرة الزواج ثم قالت لها لدي عريس أتمني ألا ترفضيه كالسابقين، أنه يبحث عن إنسانة متدينة ومتعلمة من مستواه فعلى الفور أخرجت مها صورته وقالت: هذا من أريد أن اعرف رأيك فيه فهل تقبليه أو ترفضيه ’فشدتها مفاجأة مها أمسكت بالصورة وصارت تنظر وفجأة لمحت تلك العينين اللتين رأتهما من قبل وسلبتا لب تفكيرها، فاصفر وجهها وابتسمت ابتسامة خافية لم تشعر بها مها، وقالت: دعيني أفكر يا مها أعطيني فكرة عنه

فقالت مها: إنه أخ زميلتنا قمر التي تدرس معنا في مادة اللغة العربية يسكن في وسط البلد.

 وبدأت تطرح فوزية أسئلة أكثر تود أن تعرف عنه أكثر فتواصل، مها حديثها: أنه يدرس في الجامعة بكلية اللغة العربية في المستوى الأخير من دراسته، فسكتت وأعماقها تريد أن تطير من الفرح.

فقالت بعد فترة ليس لدي أي مانع ففرحت مها فرحا كبيراً وأطلقت زغرودة عانقت عنان السماء. فقالت أجل اذهب بسرعة أخبر قمر بموافقتك عليه كي يتقدم لخطبتك فتقدم والد مهند الي عم ناصر يطلب منه يد فوزية فأخبرهم إنها ترفض الزواج ولكن سوف أقوم بأخبارها وأستشيرها وأعرف رأيها، فحدثها والدها بما حصل وأنه شاب اسمه مهند فقد تقدم لطلب يدك مني فما رأيك؟

فأطرقت حياء ولم ترد عليه كالسابق ثم كرر عليها من جديد قالت: ما تراه يا أبي وقال: لها علي بركة الله فأخبر مهند ووالده بأنها موافقة، وانطلقت الزغاريد تعلو البيت وتصدح وأشرقت شموس الفرح الطاغي الذي عم أرجاء البيت من أوله حتي اَخره لعدول فوزية عن رأيها وموافقتها علي الزاج، واستمرت الخطبة ثلاثة أشهر والشوق يضطرم في قلبيهما وقررا أن يكون الزفاف بأسرع وقت ممكن، وتم الاتفاق بينهما إن يكون الزواج في العطلة الكبيرة، فحدد موعد الفرح ووزعت الكروت وتم الزفاف وكانت ليلة مشهودة السعادة تخطت كل الحواجز والفرحة عمت كل الأرجاء والنغم أطرب الموجودين، فتهللت كل الوجوه بالفرح.

ثم ارتفعت الأيدي تدعو لهما بالسعادة وطول العمر وعندما وصلا إلي البيت قالت: له أحمد الله الذي جمعني بك وأصبحت لي وحدي، واستمرت رايات السعادة ترفرف عليهما

وفي اليوم الثالث قالت له: لك عندي هدية

فقال مهند: ما هي؟

 فأحضرت الأوراق وسلمتها له يقرأ فيها، فوقعت في يده رسالة مكتوب عليها خاصة جداً فلما فتحها وجد فيها إلي من تمكن مني في تلك اللحظة لقد سكنت أرجائي واستبحت قلبي وكنت بسمتي أراك كل ليلة في الحلم، كان عندي أمل كبير أنك تكون لي وحدي لا أحد يشاركني فيك، فتربعت في خيالي فأنت معي في كل لحظة تمتزج بإحساسي وتواصل العزف بأنغامك في قلبي رغم بعدك، يا أنت يا الساكن كل مساراتي و المشرق في مساحاتي والمضيء لكل مساءاتي، فأنت الابتسامة في واقعي ولكن عندما رأيت صورتك تأكد لي بأنك لي وحدي من تلك اللحظة، قبلها كنت أبحث عنك أما الآن فأنت معي أحضن صورتك، أسمعك وأهمس لك وأرى قلبك يفتح لي ذراعيه يستقبلني، فبدأت زهوري تتفتح وبساتيني تخضر وأوراقي تنتشي فأحس أنك معي تحاول تجذبني إلي عالمك الذي أجد فيه كل متعتي وأنسي وارتياحي، فيجتاحني الشوق للبقاء في ثواني عمرك، والاستراحة في معالمك والتوحد بك والانفراد بذاتك .

 

إلى هنا تنتهي الرسالة لكن شوقي لك لن ينتهى أبداً أما هو فقدم لها هديه وهى عبارة عن كتابة الذي نزل إلي الأسواق مؤخراً وكتب فيه الإهداء إلى من استطاعت من تلك اللحظة أن تشعل أعماقي وتثير أحاسيسي وتسكن أهدابي كل حرف كتبته هو بحثي الدائم عنك، فأنت الأمل الذي يطوق عنقي والشعور الذي أحس بتمكنه مني، لقد أهديت لي في تلك اللحظة إشراقة الأيام وسعادة الساعات وحلما يحتوي كل المساحات والحب الذي به سوف أصل إليك وأطرق مساراتك وأتجول في حدودك وأتعطر بعطرك وأقطف ورود أشجارك التي استقرت في أعماقي، وتلك اللمحة التي ارتبطت بثواني ذاتي وأنارت كل ليالي بالإشراق فحطمت كل حواجز الصمت ليبقي همسي هو الطريق الذي يوصلني إليك ويربطني بك فقبلت الكتاب وضمته إلى صدرها وانفرجت الابتسامة علي شفتيها فهلت الفرحة في الأعماق وابتسمت الأيام وتوثقت اللحظات وانطلقت السعادة تعلن عن ميلاد لحظات سرور كثيرة قادمة تسكن أحداقهما وتستمر الرحلة بكل معاني الحب بين مهند وفوزية تحاور الإيقاع الهامس .