يوميات الأخبار

الانتقال إلى واقع جديد

محمد بركات
محمد بركات

«القاعدة التى أدركتها جموع البشر على مر التاريخ تقول ببساطة ووضوح، إن العمل الجاد والمتواصل هو الوسيلة الوحيدة والمؤكدة لتحقيق الطموحات، والسير على طريق الحداثة والتقدم والانتقال إلى واقع جديد».

فى عالم اليوم وكل يوم.. لا مكان للصدفة أو الحظ الحَسَن على خريطة النجاح والتقدم.. ويخطئ من يظن ولو للحظة، أن الصدفة هى صانعة النجاح، وأن الحظ هو صانع التقدم بالنسبة لمكانة الدول والشعوب فى العالم وارتقائها سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، أو على أى مستوى من المستويات.

وإذا كان جائزاً فى بعض الأحيان أن تلعب الصدفة أو يلعب الحظ دوراً لافتاً ومؤثراً فى حياة بعض الأفراد ،...، فإن ذلك يبقى دائماً وأبداً حدثاً مُفرداً فى ذاته، مقصوراً على حدود الشخص، غير قابل للتعميم على المجموع، بل ويظل يُنظر إليه على أنه الاستثناء الذى لا يخل بالقاعدة العامة.

تلك القاعدة التى نعرفها جميعاً ويعرفها كل العالم، والتى أدركتها جموع البشر على مر التاريخ، تقول ببساطة ووضوح إن العمل هو الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتحقيق الطموح على المستوى الشخصى أو العام ،..، وإنه الطريق الصحيح لِتَقدُّمِ الشعوب والدول،..، وإن الجَهدَ والعمل المتواصل هما الأداة المِتاحة أمام الجميع للانتقال بالأفراد والمجتمعات والدول والشعوب من دائرة التخلف أو الفقر إلى دائرة النمو، ثم التطور والتقدم والحداثة والقوة الاقتصادية والسياسية أيضاً.

حقائق ثابتة

من هنا فإن العمل الجاد والمكثف، هو قاعدة الانتقال المعمول بها فى كل الدنيا، ولدى كل الدول والشعوب، من واقعها السيئ إلى واقع أفضل على المستوى الدولى ،..، وهو الوسيلة المتعارف عليها والموثوق بها للتطور والتحديث واللحاق بركب الدول والمجتمعات المتقدمة.

تلك حقائق ثابتة فى يقين العالم أجمع، وآن الأوان أن تترسخ فى وجداننا نحن أيضاً، إذا ما أردنا الارتقاء بوطننا والانتقال به من دائرة الدول النامية إلى دائرة الدول الأكثر نمواً ،..، ومن بعدها إلى مصاف الدول المتقدمة والحديثة والمتطورة.

وإذا ما أردنا دليلاً على ذلك، فعلينا أن ننظر بالتدقيق الواجب إلى مجموعة الدول الآخذة فى النمو بسرعة وكفاءة، والتى انطلقت بالفعل خلال الآونة الأخيرة، وحققت معدلات مرتفعة من النمو المستمر والمتواصل على مدى السنوات الثلاثين الماضية، مما جعلها بالفعل تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة ذات الثقل والوزن الاقتصادى الكبير.

وإذا ما دققنا فيما حدث فى تلك الدول، سواء فى الصين أو الهند أو كوريا أو غيرها، لوجدنا أن السر وراء الطفرة الكبيرة التى حدثت بها، وذلك التحول الإيجابى الملموس والواضح، يكمن فى الإيمان الكامل من جانبها بقيمة العمل،..، وانطلاقها القوى على طريق الإصلاح الاقتصادى، وتحرير آليات العمل والإنتاج والتصنيع بالذات، وإعطاء دَفعة قوية لكل المجالات الإنتاجية والخدمية،..، وفتح الطريق واسعاً أمام الاستثمارات المحلية والعالمية، والسعى بكل قوة وإصرار على نقل وتوطين التكنولوجيا المتقدمة فى جميع المجالات الصناعية والزراعية، وإطلاق مبدأ المنافسة تحقيقاً لجودة الإنتاج المحلى، طبقاً لأحسن المواصفات العالمية وبأقل الأسعار المتاحة.

وإذا ما فعلنا ذلك سنجد أن وراء ذلك كله، ومن قبله يقف العمل الجاد والمنظم والكفء، كوسيلة وحيدة لتحقيق هذه الإنجازات، وتحقيق كل الطموحات على المستوى الفردى والجماعى، وسنجد بالفعل أن ما تحقق من طفرة واضحة وَتَقدم مؤكد فى هذه الدول، على المستوى الاقتصادى، جاء نتيجة الإعلاء من قيمة العمل،..، بل اعتبار العمل وجودته فريضة مقدسة لدى كل مواطن وكل فرد فى هذه الدول، بحيث أصبح السعى للإجادة والإتقان والكفاءة فى العمل والإنتاج، من الأسس والقواعد الرئيسة لاحترام الفرد وتقديره.

صانع المستقبل

وفى هذا السياق، فإن ما يجب أن نعرفه وأن يكون راسخاً فى أذهاننا جميعاً، إنه لا توجد دولة فى العالم أو مجتمع من المجتمعات، من بين الدول المتقدمة والمجتمعات المتطورة أو الدول والمجتمعات البازغة والسائرة على طريق التطور والتقدم، إلا وكان العمل الجاد والمكثف هو الطريق والوسيلة لهذا التقدم وذلك التطور.

ويتواكب مع ذلك ويسير معه بنفس الوقت فى كل هذه الدول، إيمان راسخ لدى جميع الأفراد وجميع المواطنين بأن الإنسان هو صانع مستقبله، وأنه المسئول الأول عما يحققه من نجاح فى حياته، وأن طريق النجاح والتقدم واضح ومعلوم، وهو السعى بكل الجدية للتأهل والمعرفة، واكتساب الكفاءة، والمهارة فى العمل والتخصص الذى اختاره، وبذل أقصى الجهد للتفوق فيه والوصول للجودة الكاملة، والقدرة الفائقة على الإبداع والابتكار أيضاً.

من هنا فإن ثقافة النجاح أو الرغبة فى النجاح، هى من الأعمدة الرئيسية التى يقوم عليها البناء الاقتصادى فى تلك الدول، بحيث نجد كل صبى وكل شاب وكل مواطن من أبناء هذه الدول وتلك الشعوب يحلم بالنجاح، ويسعى جاهداً لتحقيق هذا الحلم وتحويله إلى واقع، ويبحث جاهداً عن الطريق المؤدى إلى ذلك، ويسير فيه بكل قوة ويعمل من أجله بكل الإصرار والعزم والأمل، وهو واثق من أنه يستطيع الوصول إلى ما يريد بالعمل والجهد والكفاءة.

بوابة الأمل

وإذا كنا قد تحدثنا عن ركيزتين أساسيتين يقوم عليهما أى مشروع للنهضة الشاملة أو التقدم الاقتصادى فى جميع المجتمعات والدول الساعية للتقدم، والهادفة للتنمية الشاملة، وهى قيمة العمل وثقافة النجاح،..، فإن هناك ركيزة ثالثة يجب أن نضيفها إلى هاتين الركيزتين، حتى تصبح الصورة واضحة والمنظومة متكاملة أمامنا جميعاً، وخاصة الشباب والأجيال الجديدة التى هى مستقبل هذا الوطن ومحط آماله وتطلعاته.

وهذه الركيزة هى الإيمان الكامل بأن القطاع الخاص هو القاطرة الطبيعية المؤهلة لقيادة القطار الاقتصادى، وأن المشروعات الخاصة هى بوابة الآمال فى التقدم، والوسيلة الفعالة لإتاحة فرص العمل الجاد والمثمر أمام الشباب، وهى أيضاً وفى نفس الوقت الفرصة الذهبية المتاحة أمام هؤلاء الشباب لتحقيق آمالهم وأمانيهم وطموحاتهم فى المستقبل الأفضل، والنجاح فى منظومة العمل الحُر.

وفى هذا الإطار لابد أن يكون واضحاً أمام كل الشباب، أن أقرانهم من شباب الدول المتقدمة والعُظمى والساعية على طريق التقدم، سواء فى الشرق أو الغرب أو غيرهما ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها،..، وكذلك فى الدول المنطلقة على طريق التقدم الاقتصادى السريع، سواء فى الهند أو ماليزيا أو سنغافورة أو كوريا أو غيرها وغيرها، لا ينتظرون الوظيفة الميرى، ولا أحد يجلس فى بيته وينتظر أن تأتى له الحكومة بوظيفة ميرى أو فى أى مؤسسة أو شركة تابعة للقطاع العام أو قطاع الأعمال، بل الكل يسعى ويبحث ويؤهل نفسه لسوق العمل، ويدرك باليقين أن العمل والمكان المناسب له ولغيره فى القطاع الخاص موجود ومتوفر، شريطة أن يكون مُؤهَّلاً له، ومستعداً لإثبات الكفاءة والمهارة فيه.

القطاع الخاص

وفى هذا الإطار، أصبح واضحاً لكل ذى عين بصيرة، أن عليه أن يدرك بجلاء، أن الحل الدائم لمشكلة البطالة أمام الشباب، سواء عندنا فى مصر أو فى غيرها من الدول الساعية للتقدم والتنمية الشاملة والتحديث والتطوير، هو القطاع الخاص والعمل الحُر.

وفى الوقت ذاته، لابد من الإدراك الواعى بأن النجاح فى القطاع الخاص ومجالات العمل الحُر، يتطلب العمل والكفاءة والإيمان الراسخ بضرورة التخلى عن كل القيم السلبية فى منظومة العمل، التى اعتدنا عليها فى القطاع العام للأسف، مثل التكاسل والإهمال وغياب الجودة والكفاءة، وغيبة المعايير الصحيحة لتقدير الأفراد.

وعلينا بالتأكيد أن ندرك ونُقدِّر أنه لا مجال للمحسوبية ولا الواسطة فى القطاع الخاص، بل إن المعيار الأساسى هو الكفاءة والخبرة والالتزام والانضباط، الذى يتم على أساسها تحديد قيمة الفرد ونجاحه فى عمله.