خيري عاطف يكتب: محاولات لعودة الإرهاب إلى مصر

الكاتب الصحفي خيري عاطف
الكاتب الصحفي خيري عاطف

كانت ردود أفعاله عجيبه، وغريبه جدًا، ذلك الرجل الذى تم تحذيره وتهديده بدلاً من المرة الف، بإنه قد تم وضعه على قائمة الإغتيال، ليس هو فقط بل وعائلته والمنطقة التى يعيش فيها، وعلى الرغم من تلقيه التحذيرات الإ انه لم يبالى، وعلى الرغم ان العناصر الخطرة كانت تقترب من مدينته، الإ انه اصر على إنكار التهديدات والمشاهدات التى كان يسمعها ويراها، وعلى الرغم ان العناصر الخطرة كانت تقترب وتطلق الرصاص على الأهالى حوله، يُقتلون وترتمى جثثهم فى الشوارع، الإ إنه اصر على حالة الإنكار، حتى جاء ذلك اليوم المشئوم، عندما نزل الى الشارع فوجد المسلحين امامه يستهزئون به ويبلغونه أنه اصبح فى تعداد الموتى، وبعدها اطلقوا عليه النار ليلقى مصرعه فى الحال، وفى نفس الوقت كان قد تم تفجير بيته فلقت ايضًا عائلته مصرعها، كما تم تدمير مدرسة اطفاله ليلقون ايضًا نفس المصير.

..وفى مدينة أخرى، كان ما يدور العكس تمامًا، رجلًا مثله كان قد تلقى نفس التهديدات، وما كان منه الإ انه اخدها على محمل الجد، ابلغ السلطات المعنية فى بلدته، واخذ حذره، ونبه عائلته واقاربه وجيرانه، حتى تم اصطياد المجرمين واحدًا تلو الأخر، وفى النهاية، تم القضاء على تلك العناصر الخطرة، وعاش الرجل وعائلته واهله فى أمان، وكتب لمدينته النجاه من الهلاك.

.. بدون تهويل أو تهوين، نعيش الأن بوجدانين مختلفين، بين هذا الرجل وذاك، البعض ينكر الخطر ويقسم انه لا وجود له، وأخرين يصرخون ويقسمون أن الخطر يحاصرنا من كل جانب، ويعملون على دحره، من أجل حماية المدينة، أو بمعنى أصح الدولة.

نعيش الأن بين فريقين، احدهما يقسم أن جماعة الإخوان قد انتهت تمامًا، وأن الإرهاب أصبح لا وجود له، ويستند هذا الفريق الى مشاهد تبدو فى ظاهرها منطقية، بأن رموز الجماعة قد تم تفتيتها، ما بين هاربين فى الخارج، وما بين من تم ضبطه وسجنه، وعناصر أخرى خامنه غير قادرة على المواجهه، بل الخوف من التصريح بإنهم تابعين لجماعة الإخوان الإرهابية.

.. والعجيب أن بعض من يطلقون على أنفسهم بالخبراء الإستراتيجين، قد تبنوا نفس الرواية، وقدموا أدلة وصفوها بالعميقة بأن حتى قيادات الإخوان الهاربين فى الخارج، أصابهم الإنقسام بين ثلاث فرق، كل فريق يسعى للقفز الى منصب مرشد الجماعة، وإنهم الأن قد اصبحوا مشغولين بصرعاتهم الداخليه، حتى أن الحرب أصبحت على اشدها بين صبيان الجماعة الذين تفتتوا أيضًا وإنقسموا الى عدة فرق، بعضهم يشارك فى صراعات القيادات، وأخرين انهاروا وأصابهم اليأس حتى أن البعض منهم قد قرر إنهاء حياته، مثلما حدث مع ثلاثه يقيمون فى الخارج.

أما الفريق الأخر، فكانت له اسانيده التى بدت أكثر منطقية، وهى على الرغم من عدم ظهور الإخوان بشكل صريح، الإ ان الأحداث التى تدور حولنا تؤكد وجودهم، متهمين من يقوم بمحاولة تأجيج المواطنين عبر مواقع التواصل الإجتماعى بإنهم من الإخوان، مؤكدين أن الجماعة الإرهابية لم تيأس بعد، وإنهم يحاولون بشتى الطرق إستغلال اى ازمات لمحاولة إشعال الغضب فى نفوس المواطنين، مشيرين الى ان الأخوان وراء سيل الإشاعات التى تحاول افقاد الشعب ثقته فى نفسه وقياداته. ويكفى محاولات التشوية التى تطول كل من يدعم الدولة، وكان أخرهم محمد صلاح، الذى اتهموه بالهروب من المنتخب الوطنى رغم اصابته، ليتضح بعد ذلك ان مصاب بالفعل، وأن فريقه – ليفربول- قرر الإستغناء عنه فى مباراته القادمة حتى لا تتفاقم الإصابة.
ثمة اسئلة منطقية تفرض نفسها الأن، هل معنى إختفاء العمليات الإرهابية بمثابة إنتهاء جماعة الإخوان الإرهابية؟، هل خلو صفحات الجرائد والمواقع الإليكترونية من أخبار التفجيرات يعنى القضاء على جماعة الإخوان الإرهابية؟، هل إختفاء قيادات الجماعة من مواقع التواصل الإجتماعى ومعها تحريضهم المباشر ضد الشعب يعنى إنتهاء التنظيم الإرهابي؟.

بالتأكيد لا، خاصة وأن الحرب التى تشنها الجماعة ضد الدولة والشعب، لم تكتف منذ بدايتها بالأعمال الإرهابية فقط، بل كان ومازال لديهم أسلحة أخرى أكثر خطورة منها الإشاعات وتأجيج الأوضاع، وفى الباطن يتضح أن كل هذا تمهيدًا لموجة جديدة من شن عمليات إرهابية تستهدف الدولة والشعب، وهو ما أكد عليه وزير الداخليه خلال الإحتفال بعيد الشرطة، بان أجهزة الوزارة تمكنت خلال العام الماضى من إجهاض 129 محاولة لتكوين بؤر إرهابية، بدعم وصل الى 3.6 مليار جنية. ولك أن تتخيل نجاح جماعة الإخوان فى تشكيل تلك البؤر الإرهابية، وكم الضحايا التى كانت ستسقط خلال السنة الماضية فقط. هل وقتها كان سيعى الفريق الأول بالخطر؟، هل سيتأكد من وجود الجماعة الإرهابية؟، هل سيعلم أن الجماعة كانت ومازالت تحاول بكل قوتها الإنتقام من الشعب الذى أطاح بهم من الحكم؟.

يا سادة، الخطر مازال حولنا، وسعى الجماعة الإرهابية مازال مستمرًا، وحالة النكران التى يتبناها الفريق الأول ستصل بنا الى طريقًا مليئًا بالأشواك، يغذيها بحارًا من الدم.

يا سادة، الأمن قادر على القضاء على تلك العناصر الإرهابية ودحرها مثلما نجح منذ ظهورهم مع موجة الثمانينات والتسعينات ومع احداث 2011 و 2013 وما بعدها، لكن القضاء على جذور الجماعة لم ينجح الإ اذا تضافرت جهود الدولة مجتمعة ليس فى مؤسساتها، بل بمفهومها الشامل، عندما تعى الأسرة الخطر وتعزل اطفالها عن أفكار التطرف، من المدارس التى يقع عليها عائقًا كبيرًا، على الجامعات التى تستهدفها الجماعة لإصطياد الشباب منها، من الأزهر والكنيسة بنصوص دينية سليمة تدفع الى السلام وتنبذ العنف وتكشف الفرق بين الحفاظ على الدولة، وإسقاط الدولة بالإرهاب، على الإعلام الذى لابد وأن تتضافر جهوده فى التنبيه والتحذير وتسليط الضوء على الأعيب تلك الجماعة الدموية. وقتها فقط سوف تموت الجماعة، سوف تُبتر جذورها كما قُطفت رؤسها.