«نهر الألم».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة الرفاعي

فاطمة الرفاعي
فاطمة الرفاعي

بخطوات الموتى.. ذهبت إليه.. أحمل  أوجاعى على كتفى .. والذكريات طائر متوحش  يغرز مخالبه فى عنقى.. أتيته بخطى يائسة أخيرة.. وأنا أفكر فى الخلاص من حياتى .. فوجدته واقفا هناك.. عند باب الكهف المؤدى إلى النهر..

اقتربت.. تعلقت بعينيه.. وسألته متضرعة: أريد أن أنسى.. أريد أن أنسى.. أو. أموت..  ساعدنى

نظر إلى باشفاق.. وقال: ما الذى ترغبين فى نسيانه؟

 .قلت :  آلاما لا علاج لها.. وبلاء لو نزل على جبل لصار ترابا فى لحظة

قال : تكلمى يا بنيتى

قلت : أختي

نظر إلى متعجبا

قلت :  نعم  أختي!!

أكرهها ...أكرهها .. ووددت لو قالوا ماتت، هى ليست بأخت. لا يمكن أن تكون أختا !!لقد رأيتها معه .. خانتني.. رأيتهما بعينى، أتدرى معنى أن يخونك.. أغلى شخصين فى حياتك؟

إننى أريد الموت.. أريده فعلا..  حين رأيتهما.. فقدت النطق.. وأصبت بشلل مؤقت لعدة أشهر.

أتدري معنى أن يخونك من كانت جزء من روحك ؟! ..  من رضعت معك من نفس الصدر.. وكنت تراها نفسك وتحبها أكثر من نفسك  ؟!

وحبيب أحببته بكل كيانى.. يخوننى.. ليته خانني ألف مرة.. ولكن.. مع غيرها.. ليتهما قتلانى.. أطلقا النار على رأسى.. لكان أرحم بكثير، إننى أموت.. أموت بالفعل.. ولو كان الانتحار حلالا.. لأحله الله لى.. من ويل بلائى وعظيم ألمى، أنا حطام إنسان.. وبقايا امرأة ، هل عندك حل  ينسيني مصيبتي الكبرى؟!

نظر إلى.. وهو يرتعد من هول كلماتى.. والدموع تتساقط  من  عينيه

وقال : صغيرة يا بنيتى.. تحملين هما لا يطيقه بشر.. وبكى.

قلت له : لا تطيق أن تسمع.. فما بالك بمن عاش ورأى؟ .. وذبح حيا..

قال : ابتعدى عنهم.. واهربى

قلت: كيف؟! وأنا أحملهم فى عقلى.. فى كل مكان

قال : سافرى.. وتعرفى لأناس جديدة

قلت : سافرت.. ورجعت بذات الآلام

قال : سيعاقبهما الله.. صل.. واطلبى من الله النسيان.

قلت : صليت.. ولم أنس.. وشربت الماء المقدس.. ولم أنس ، صدقنى.. فعلت الكثير ..ولم أنس.. المصيبة أكبر من قدرتى على النسيان،  فسمعت عنك وعن هذا  النهر.. الذى تطهر فيه الأرواح.. فأتيت ..

هل حقا يا حكيم.. من يشرب من هذا النهر ينسى؟!

أم أن النسيان.. أمر مستحيل!!

نظر إلى .. والدموع تنساب على خده .. وقال : ليس الأمر بالسهل.. هنا تحضر الأرواح والذكريات.. وإما ان تقتلك ذكرياتك.. أو  تقتليها.. وتحرقينها.. و تنثرى رمادها فى النهر.

ارجعى .. فالكثير ممن عبر الكهف.. وخاض النهر لم يرجع.. قتلته ذكرياته

 قلت : وما قيمة الحياة؟ .. وأنت تشعر بأنك.. ابن العدم.. رحم الحياة قد لفظك.. ومحرقة تشتعل بداخلك.. تحرقك فى كل دقيقة .. فاتركنى أعبر للنهر

أو اقتلنى بيديك.. ولكن لا ترجعنى أحمل صورهم.. لا ترجعنى أحمل ذات الذكريات.