..قبل 72 عامًا خاضت قوات الشرطة المصرية معركة الاسماعيلية ضد المحتل البريطانى الأجنبى لتكون هذه المعركة حجر أساس فى حرب التحرير المصيرية ضدالمستعمر ولم تمرسوى شهور قليلة فى العام 1952 وكانت ثورة 23 يوليو الفارقة فى تاريخ مصر والمنطقة.
لم تكن ثورة يوليو إلا بداية أطلقت يد الثوار فى حرب التحرير حتى توقيع اتفاقية الجلاء فى 1954 ولم تكن الاتفاقية سوى افتتاحية لما هو قادم من صراع مع القوى الاستعمارية .
أرادت الأمة المصرية القيام بعملية تنمية شاملة محورها بناء السد العالى ولكن هذه القوى رفضت أن يرى المشروع المصرى العظيم النور وأرادت محاصرته بشتى الطرق فكان الرد المصرى العادل باستعادة حقوق هذا الشعب فى قناة السويس لنبنى من عائداتها السد العالى.
لم تستوعب القوى الاستعمارية طبيعة الرد المصرى المزلزل والعادل تجاه تغولها ولصوصيتها لحقوق الشعوب فكان عدوانها الثلاثى بالتحالف البريطانى الفرنسى مع ذيل الاستعمار فى المنطقة وهو إسرائيل، لم تستطع القوى الاستعمارية إخضاع مصر واندحرت فى بورسعيد لتنطلق بعدها الأمة المصرية فى مشروعها التحررى لتمديد المساعدة لكافة الشعوب المستضعفة التى تعانى من ظلم وظلمات المستعمر.
لا تدور عجلة التاريخ وفق قانون الصدفة بل معادلة التاريخ قائمة على أسباب ونتائج لذلك كانت الانطلاقة المؤثرة فى هذا الصراع المصيرى بين الأمة المصرية وقوى الاستعمار من قوات الشرطة المصرية فى الإسماعيلية.
من يدرك تاريخ مصر القديم والحديث يعلم جيدا أن مفهوم الأمن والقائمين على تحقيق هذا الأمن أحد المقومات الرئيسية فى تركيبة الأمة المصرية وشخصيتها فهذا التصدى البطولى من قوات الشرطة للمستعمر نابع من جذور حضارية مصرية ممتدة لآلاف السنين قائمة على مواجهة الظلم والاعتداء وردع المجرم مهما بلغ حجم قوته من أجل إقرار قيمة العدل على أرض مصر.
تأتى قيمة العدل تلك على رأس مكونات الأمة والشخصية المصرية ومن خلال هذه القيمة يتحقق الأمن للإنسان المصرى طوال تاريخه فالعدو الأول للشخصية المصرية هو الفوضى التى قد يسببها إجرام واعتداء خارجى أو داخلى لذلك أصبح تحقيق الأمن والقائمين على تحقيقه من قوات شرطية ركيزة أساسية فى حياة مصر والمصريين على مدار تاريخهم الممتد.
بالتأكيد تقوم قوات الشرطة بدورها الطبيعى فى مصر لتحقيق هذا الأمن وهو دور ممتد حتى الآن ومنذ نشأة الدولة المصرية قبل آلاف السنين وتكشفه الآثار المصرية والبرديات التى تحدثت عن هذا الدور باستفاضة كبيرة بل وضحت مدى تقدم هذا العمل الشرطى فى مصر القديمة ووصوله إلى درجة التخصص فى مجالات تحقيق الأمن على مستوى الدولة بل أن تنظيم عمل الشرطة فى المجتمعات الحديثة يعود فى أصوله إلى أفكار الدولة المصرية القديمة.
تتولى قوات الشرطة إدارة عملها الأصيل هذا فى المجتمع المصرى بشكل متواصل منذ نشأتها وفق مقومات الدولة المصرية القديمة والحديثة والقانون الذى يحكم حركتها لكن بالعودة إلى معركة الإسماعيلية نجد أن فى لحظات التحدى والخطر الخارجى مثل هذا المستعمر يتطور هذا الدور ويتحمل رجال الشرطة وأبطالها مهامًا أكبر من تحقيق الأمن على المستوى الداخلى بمكافحة الجريمة المعتادة.
تعطينا معركة الإسماعيلية علامة مرجعية وإشارة محورية حول تطورات هذا الدور من تأثيرات الخارج على أمن الداخل وحجم الأعباء التى يتحملها جهاز الشرطة ورجاله من الحفاظ على المستوى الأمنى والاستقرار الداخلى من أى هزات تؤثر على مسار الحياة اليومية الطبيعية للمواطنين.
عدما ننتقل من المرجعية التاريخية لمعركة الإسماعيلية إلى الحاضر نجد أن تأثيرات الخارج المضطرب وخاصة فى محيط مصرالإقليمى أصبح عاملا شديد التأثير على الأمن الداخلى وأصبحت مواجهة هذه التأثيرات بالغة الخطورة من المهام الاساسية لجهاز الشرطة لأن هذه التأثيرات تفرز نوعيات شرسة وجديدة من الجريمة تريد تخطى الحدود لتضرب مفهوم الأمن الداخلى المستقر.
نشأت هذه التأثيرات شديدة الخطورة مع انفجار حالة مايسمى بالربيع العربى قبل ثلاثة عشر عامًا وأدى مايسمى بالربيع إلى وضع يسيطر عليه الانهيار الأمنى فى أغلب الإقليم المحيط بمصر أو المحيط الذى تسلل له مايسمى بالربيع العربى.
بلا شك لم تكن رياح الربيع السامة التى هبت على المنطقة تحكمها عوامل الصدفة بل كانت تحركها أيادى تسعى وراء تحقيق غرض رئيسى وهو هذا الانهيار الأمنى فى المنطقة وطوال السنوات الماضية تكشفت أمام الجميع حقيقة الأحداث وتفاصيلها، وأن تحالف قوى الاستعمار القديم والحديث وعملائهم من الفاشية الإخوانية هم وراء هذه الرياح السوداء التى هبت على المنطقة وتريد حرقها بالكامل لتجلس غربان الفاشية الإخوانية على تلال من الخراب عن طريق التسلل إلى السلطة فى البلاد التى تعرضت للهجمة الربيعية السوداء.
استطاعات الأمة المصرية فى المواجهة الأولى أو السنتين الأوليتين من الهجمة السوداء توجيه ضربة قاسمة للتحالف الشرير بإرادة جماهير ثورة يونيو فى العام 2013 وأطاحت بالعصابة الإخوانية ومن ورائها وتسترد الدولة من الفوضى التى حركتها العصابة الإخوانية بأكثر من صورة وعلى رأسها الاعتصامات المسلحة بالتأكيد كان أبطال الشرطة حاضرين بكل قوة فى هذه المواجهة المصيرية حتى استطاعوا بكل بسالة دحر الفوضى الفاشية وإعادة الحياة الطبيعية لهذا البلد الطيب.
انطلقت الدولة المصرية بعد القضاء على هذه الفوضى فى عمل جبار من أجل أن تؤسس وترسخ حداثة الدولة وليس فقط أن تقوم بوظائفها المعتادة حتى استطاعت الوصول إلى التعافى الكامل ثم الاستقرار الذى هو أساس أى عملية تنمية حقيقية فى الحاضر والمستقبل لكن هذا التعافى من مرض الفوضى الذى تحقق بتضحيات الشهداء ودماء الأبطال لم يصل إلى محيطنا الإقليمى وظلت الفوضى وتبعاتها الكارثية تخيم على العديد من الدول فى هذا الإقليم الذى تقع مصر فى قلبه.
قد ينظرالبعض أن هذه الفوضى المستشرية فى أغلب محيط إقليمنا لها وجه وحيد وهو السياسى لكن هذا الوجه السياسى جزء من تبعات الفوضى الكارثية والتى تخلق حالة من الانهيار الأمنى والاجتماعى فى هذه الدول المصابة بفيروس الفوضى مما يؤدى إلى حالة إجرامية منفلتة لاتقتصر على المجتمع الذى انطلقت منه بل تصيب أغلب المحيط الإقليمى.
خلال السنوات الماضية وإلى الآن يواجه رجال الشرطة المصرية تبعات هذا الانفلات والانهيار الأمنى فى محيطنا ببسالة وحزم شديد، ويتصدون لموجة إجرامية صنعتها هذه الفوضى الإقليمية وأكثر الأمثلة وضوحًا وتبين شراسة هذه الموجة الإجرامية الحرب ضد الإرهاب الدموى الأسود. استغلت الفاشية الإخوانية مناخ الفوضى الإقليمى لتنفذ مخططاتها المأمورة بها من أجل تعطيل عملية البناء فى الدولة المصرية الحديثة ودفعت بتنظيماتها الإرهابية لأجل هذا الغرض.
تشير كثافة وخطورة الموجة الإرهابية التى تعرض لها الوطن فى الفترة الماضية بوضوح إلى أن عامل الفوضى الإقليمى كان ركيزة أساسية فى تغولها ولكن تضحيات الشهداء والرجال الأبطال من القوات المسلحة والشرطة دحرت هذه الموجة الإرهابية الإجرامية وأبقت الوطن سالمًا مطمئًنا.
لاتقتصر تبعات حالة الفوضى الإقليمية على تصدير الإرهاب الدموى ولكنها صنعت حالة إجرامية متضخمة امتدت إلى كافة أنواع الجريمة وهو ماحمل جهاز الشرطة أعباءً جسام من أجل مواجهة الموجة الإجرامية المتولدة من رحم الفوضى وحتى لاتمتد آثارها المدمرة إلى الوطن.
نقلت الفوضى الإقليمية الجريمة إلى درجات غاية فى الخطورة والتنظيم لأن الانفلات والانهيار الأمنى فى العديد من الدول الإقليمية أتاح للحالة الإجرامية نوعًا من الاستقرار يتيح لها العمل بلا خوف أو رقابة، فالعمليات الإجرامية مثل تهريب المخدرات لم تعد قاصرة على فعل إجرامى عابر بل أصبح عملا منظمًا يجد كل الدعم من مناخ الفوضى وغياب الرقابة الأمنية فى بعض الدول.
تكشف متابعة أحداث الحرب الشرسة التى يخوضها رجال الشرطة مع هذه العصابات الإجرامية من أجل منع وصول هذه السموم إلى أرض الوطن أن عمليات جلب وتهريب المخدرات ورائها تنظيمات إجرامية تستفيد من مناخ الفوضى الإقليمى لتعظيم تجارتها الحرام من تصنيع لأنواع جديدة من المواد المخدرة أو حجم الكميات التى يتم ضبطها من قبل رجال الشرطة.
عندما يتفشى هذا الوباء الإجرامى الذى خلقته الفوضى الإقليمية لايقتصر إنتاجه على نوع واحد من الجريمة فهذا الحجم من تجارة المخدرات كمثال يتبعه مافيات غسيل الأموال التى تريد عمل غطاء شرعى لهذا المال الحرام مما يتسسب فى آثار مدمرة على الاقتصاد الوطنى.
لاتقتصر إنتاجات الفوضى الإقليمية على تصدير الجريمة بكافة أنواعها فهى فى نفس الوقت تدفع الملايين لأن يتركوا بلادهم بسبب حالة الانفلات الأمنى الشديدة وتكون الوجهة الأولى للباحثين عن الأمن فى إقليمنا المضطرب هى مصر.
بالتأكيد لاتعامل مصر القادمين إليها طالبين الأمن والأمان بالعزل أو تضعهم فى مخيمات للاجئين بل تعاملهم كضيوف استجاروا بأمنها ولكن اختلاف ثقافات وطبيعة القادمين عن الأرض التى استقبلتهم وشعبها تخلق نوعًا من الاضطراب قد يصل إلى حد ظهورأنواع جديدة من الجريمة مما يحمل جهاز الشرطة مزيدًا من الأعباء، وأيضا فليس كل القادم إلى هذه الأرض الطيبة المضيافة أشخاص أسوياء أو يبحثون فقط عن الأمان فبالتأكيد هناك نسبة من هؤلاء يكون لهم تاريخ إجرامى وهذا مايجعل جهاز الشرطة ورجاله فى حالة يقظة مستمرة وتدقيق لفرز الصالح من الطالح.
رغم هذه الحالة الاستثنائية من الأعباء فى مكافحة الجريمة والتى طرأت نتيجة حالة الفوضى الإقليمية إلا أن رجال الشرطة المصرية نجحوا فى التصدى لهذه الموجة غير المسبوقة وهذا يرجع لأمرين تميز بهما رجال الشرطة ووزارتهم العريقة .
الأمر الأول أن رجال الشرطة المصرية اكتسبوا خبرات غاية فى الأهمية طوال عملهم المضنى بل أصبح وباعتراف كافة المنظمات الدولية والمجتمع الدولى أن مصر ورجال شرطتها يمتلكون مدرسة أمنية من نوع خاص تستطيع مواجهة الجريمة بكافة أنواعها وتطوراتها وهو مايدفع الكثير من الدول بأن تبعث برجال أمنها لكى ينهلوا من علوم هذه المدرسة العريقة والمتطورة
الأمرالثانى أن جهاز الشرطة المصرى لا يتوقف يومًا عن التدريب وملاحقة كل ماهو حديث من علوم فى مكافحة الجريمة بشتى أنواعها وتقدم الدولة المصرية لأبنائها من رجال شرطتها كل الدعم والإمكانيات لتحقيق غاية التطور والحداثة فى العمل الشرطى.
تبدو التحديات عظيمة والأعباء ثقيلة نتيجة هذا المحيط الإقليمى المضطرب الذى تشتعل فيه نيران الفوضى، لكن هذه التحديات والأعباء بالنسبة لأبطال الشرطة المصرية يعتبرونها واجبًا مقدسًا ويرونها ثمنًا قليلا إذ كان المقابل حماية هذا الوطن الذى ينعم بالأمن والطمأنينة فى كل يوم بتضحيات هؤلاء الأبطال.