«الزعر4» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

الكاتب محمد كمال سالم
الكاتب محمد كمال سالم

وقف "بدر" وأخوه "عوض" الذي كان يحمل الصغيرة "نفيسة" نائمة فوق كتفه، ينظران في دهشة للبيت الذي اصطحبهما إليه_عم "خَشَبَة" الحانوتي_ بغرض السكن، سأله بدر:

_هل هذا هو البيت الذي ستؤجر لنا سكنا فيه؟!

_نعم، ألا يعجبك؟

_يعجبني!  هذا قصر! وأنىَ لنا وسكن القصور يا عميَ الحاج خَشَبَة؟ هيا بنا يا عوض.

انتظر يا بني، صاحبة هذا القصر ست "هانم"_تركية ميسورة الحال، زوجها هجرها وتزوج من أخرى مصرية بعيدا عن هنا، والست"بديعة" المال لا يهمها، وهي تطلب سكان للدور السلاملك؛ ناس يكونوا طيبين لا يفتعلون المشاكل، يعني محتاجة ناس يوفرون لها الجيرة والونس؛ لأنها تعيش هي وولدها الأخير "محمد" في كل هذا البيت الكبير_كما ترى_، فلا داعي لهذه الخضة! هااه ؛ نتوكل على الله؟

بدر: كما ترى يا عم الحاج، توكلنا على الله.

يصيح "خشبة" الحانوتي ينده على الأسطى"بحبح"

و"بحبح" رجل كبير في العمر، وهو حارس البيت المؤتمن بما له من صلة قرابة مع السيد

"علي سالم"زوجها، فهو السائق للعربة ذات الخيول

(حنطور ملكي) والسيارة الملاكي أيضا، وهو المدير لشئون البيت: للطباخين والسفرجية وخلافه.

يعود الأسطى"بحبح"من جناح السيدة "بديعة" إليهم في فناء البيت ويخبرهم:

_الست"هانم" متعبة؛ ولا

تستطيع مقابلة أحدٍ الآن؛ لكنها وكلتني أن أفتح لكم الدور السلاملك وأن أوفر لكم ما تحتاجونه إلى أن تلتقي بكم، وتطلب منك يا حاج

"عباس كامل" أن تمر عليها غدا.

_ ما بلاش"عباس كامل" دية؛ اعمل معروف خليها"خشبة" الحانوتي أأمن

_ههههههه حاضر يا حاج"خشبة"، يتبادلان الضحك.

يفطن"عوض" أنهما يسقطان حديث الخوف هذا على جلالة السلطان"عباس كامل"الذي يتشابه اسم"خشبة"الحانوتي مع اسمه ؛ لكنه تصنع الجهل؛ فالأمر لا يعنيه، لكنه كان مشغولا بهذا الذي نهره وطرده من على باب الحي قبل أن يطئوه، وبات يتساءل؛ من الزعر هذا؟

ولماذا لم يسأل عم "خشبة" الحانوتي عنه؟!

خاصة وأنه فطن إلى أنهم لم يبتعدوا كثيرا، فالقصر في باب الخلق ولم يفصله عن حي"الدرب الأحمر" سوى نهر شارع "الخليج المصري".

تملكت الدهشة من الأخوين "بدر"و"عوض"من روعة البيت وعمارته الفنية فائقة الروعة، أبراجه الخشبية المرتفعة وكأنها قلعة حربية، تلك الأبواب العملاقة من الخشب المشغول بمهارة ونوافذ من الخشب المعشق_مشربية_ تكاد تصدر منها رائحة الصندل العتيق، و"نفيسة "كانت دهشتها أشد، حيث أصبحت من بيت بسيط من الطوب اللبن إلى هذا القصر الفاره بين عشية وضحاها، صحيح أن السلاملك جناح منفصل عن جسم القصر؛ حيث ينفصل الدرج العمومي يسارا فيؤدي إلى السلاملك ؛ بينما السلم العمومي يؤدي إلى بهو القصر الرحب الذي تتفرع منه باقي أجنحة القصر، لكن هذا الانفصال كان في التصميم فقط، لكن السلاملك كان يتمتع أيضا بهذه التفاصيل المعمارية الجميلة. 

 

وما لبث الأخوان أن يستقرا وشقيقتهما الصغرى في قصر السيدة "بديعة" التركية في"باب الخلق"، حتى ترامى إلى مسامعهما خبر معركة كبيرة جرت في "الدرب الأحمر" وتفاصيلها أن رجال الزعر قد تحرشوا بالمصلين من أهل الحي،  وأن هذا يحدث تقريبا كل أسبوع مع كل صلاة جمعة في المسجد المقدس للشيخ "أبو الخطى" ويترامى إلى مسامعهم لأول مرة اسم الشيخ "حسن"؛ فتنصت نفيسة الصغيرة إلى حديث أخويها الذي أتيا به من الشارع باهتمام كبير لم تدر كنهه، واضطرب له قلبها الصغير، وكأن الشيخ"حسن" هذا، وأم الشيخ"حسن"؛ يعنيان لها شيئا مهما.

تغالب"نفيسة" شعورها بالنوم في هذا الفراش الوثير لهذا البيت الجديد، حتى تنصت لحديث أخويها وتستكمل الحكاية العجيبة التي يقصونها عن أبيهم.