عصير القلم

حينما تصنع المرأة رجلا ناجحًا

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬”وراء‭ ‬كل‭ ‬رجل‭ ‬عظيم‭ ‬امرأة”‭ .. ‬جملة‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬تقديرًا‭ ‬للمرأة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬الرجل،‭ ‬ولكنني‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬أراها‭ ‬جملة‭ ‬عنصرية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬ذكورية‭ ‬خالصة‭ ‬تنتقص‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬وتجعلها‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬دائمًا‭ .. ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬زوجها‭ ‬وتعاني‭ ‬النكران‭ ‬،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إنصاف‭ ‬وعدل‭ ‬لكانت‭ ‬الجملة‭ ‬“‭ ‬بجانب‭ ‬كل‭ ‬رجل‭ ‬عظيم‭ ‬امرأة‭ ‬عظيمة‭ ‬تسانده‭ ‬وتدعمه‭ ‬وتدفعه‭ ‬للنجاح”‭.‬

وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭ ‬سببًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬أزواجهن،‭ ‬ونذكر‭ ‬السيدة‭ ‬‮«‬مرسيدس»؛‭ ‬وهى‭ ‬حفيدة‭ ‬مهاجر‭ ‬مصري،‭ ‬تزوجت‭ ‬من‭ ‬الروائي‭ ‬العالمي‭ ‬‮«‬ماركيز‮»‬،‭ ‬وعاشا‭ ‬في‭ ‬فقر‭ ‬شديد،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬إنجاز‭ ‬مخطوط‭ ‬روايته‭ ‬الأشهر‭ ‬‮«‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديه‭ ‬مال‭ ‬لإرسالها‭ ‬بالبريد‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬النشر،‭ ‬فرهنت‭ ‬‮«‬مرسيدس‮»‬‭ ‬مصاغها‭ ‬لتوفير‭ ‬تكلفة‭ ‬البريد‭.. ‬فكان‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬بأن‭ ‬تصبح‭ ‬الرواية‭ ‬الأكثر‭ ‬مبيعاً‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬ما‭ ‬أهّل‭ ‬ماركيز‭ ‬للفوز‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬عام‭ ‬1982‭.‬

وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬‮«‬أليسيا‭ ‬هاريسون‮»‬،‭ ‬زوجة‭ ‬عالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جون‭ ‬ناش‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬رغم‭ ‬عبقريته‭ ‬عاش‭ ‬حياته‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬متلازمة‭ ‬نادرة،‭ ‬تجعله‭ ‬يتخيل‭ ‬أشخاصًا‭ ‬مسيطرين‭ ‬عليه،‭ ‬وأنّ‭ ‬مؤامرة‭ ‬كبرى‭ ‬تُحاك‭ ‬ضده‭ .. ‬لكن‭ ‬زوجته‭ ‬ساندته،‭ ‬وتفهّمت‭ ‬حالته‭ ‬المرضية‭ ‬والوساوس‭ ‬والأشباح‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬له‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حاز‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ويقول‭ ‬الأطباء‭ ‬إنه‭ ‬شُفي‭ ‬تدريجيًا‭ ‬دون‭ ‬أدوية،‭ ‬بسبب‭ ‬الحب‭ ‬والحميمية‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬زوجته،‭ ‬وهذه‭ ‬القصة‭ ‬الرائعة‭ ‬كانت‭ ‬ملهمة‭ ‬لصناع‭ ‬الفيلم‭ ‬العالمي‭ ‬“العقل‭ ‬الجميل”‭ ‬للنجم‭ ‬راسل‭ ‬كرو‭.‬

جميعنا‭ ‬نعرف‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬الشهير‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينج،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬زوجته‭ ‬‮«‬جين‭ ‬وايلد‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬نذرت‭ ‬حياتها‭ ‬لخدمته؛‭ ‬حيث‭ ‬عانى‭ ‬‮«‬هوكينغ‮»‬‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬التصلب‭ ‬الجانبي‭ ‬الضموري،‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬مشلولاً‭ ‬تماماً‭.‬

‭ ‬دعم‭ ‬زوجته‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬الجسدية،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬قراءة‭ ‬المصادر،‭ ‬وكتابة‭ ‬أفكاره،‭ ‬وصياغتها،‭ ‬وحتى‭ ‬مناقشتها،‭ ‬وطباعة‭ ‬كتبه‭.‬

الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬فعلته‭ ‬الفرنسية‭ ‬‮«‬سوزان‭ ‬بريسو‮»‬،‭ ‬زوجة‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬التي‭ ‬رافقته‭ ‬وخدمته‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬وأوصلته‭ ‬إلى‭ ‬أرقى‭ ‬مراتب‭ ‬العلم‭. ‬

وقال‭ ‬عنها‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ : ‬‮«‬كانت‭ ‬صديقتي،‭ ‬وأستاذتي،‭ ‬منها‭ ‬تعلمت‭ ‬الفرنسية،‭ ‬واللاتينية،‭ ‬واليونانية،‭ ‬وتعلمت‭ ‬من‭ ‬أدبها،‭ ‬وكانت‭ ‬تقرأ‭ ‬لي،‭ ‬وتكتب‭ ‬أفكاري‮»‬‭.‬

وحتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرياضة‭ ‬هناك‭ ‬زوجات‭ ‬صنعن‭ ‬من‭ ‬أزواجهن‭ ‬أبطالا‭ ‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬الملاكم‭ ‬الأيرلندي‭ ‬“كونور”‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬قائلا‭ : ‬“نحن‭ ‬معًا‭ ‬منذ‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ .. ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬أيرلندا‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬30‭ ‬ميلاً‭ ‬من‭ ‬دبلن‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬مستأجرة‭ ‬بدون‭ ‬عمل‭.‬

لم‭ ‬أكن‭ ‬أعمل‭ ‬لأنني‭ ‬أقضي‭ ‬كل‭ ‬وقتي‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬حلمي‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬بطلاً‭.‬

لقد‭ ‬آمنت‭ ‬بي‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬المال‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬بذلت‭ ‬جهدًا‭ ‬للاعتناء‭ ‬بنظامي‭ ‬الغذائي‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتناول‭ ‬طعام‭ ‬الرياضيين‭. ‬

كانت‭ ‬تعتني‭ ‬بي‭ ‬و‭ ‬تشجعني‭ ‬دائما‭ .. ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬تمرين‭ ‬شاق‭ ‬،‭ ‬بدون‭ ‬طاقة‭ ‬و‭ ‬متعبا‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬لي‭ ‬دائمًا‭ ‬“كونور‭ .. ‬أعلم‭ ‬انك‭ ‬تستطيع‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬وسوف‭ ‬تنجح‭.‬”

و‭ ‬الآن‭ ‬أنا‭ ‬أكسب‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬مباريات‭ ‬يحضرها‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬متفرج‭.‬

يمكنني‭ ‬الآن‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬سيارة‭ ‬و‭ ‬أي‭ ‬ملابس‭ ‬و‭ ‬أي‭ ‬منزل‭ ‬و‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تطلب‭ ‬مني‭ ‬شيئا‭ .‬

زوجتي‭ ‬تستحق‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬دائمًا‭ ‬بجانبي‭ ‬و‭ ‬تخبرني‭ ‬أنه‭ ‬يمكنني‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مكاني‭ ‬هذا‭ ‬بفضلها‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تخذلني‭ ‬أبدًا‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬تتركني‭ ‬وحدي‭ ‬أبدًا‭.‬

;