«إبداع» قصص قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي

أحمد فؤاد الهادي
أحمد فؤاد الهادي

إبداع:

يقف ممشوقا بزيه المميز ملتصقا بباب القاعة التي تعج بأدباء يتناوبون الصعود إلى المنصة لتقديم أعمالهم، التصفيق وصيحات الإعجاب تتعالى عقب كل مشاركة، أخذته إحدى القصص الإنسانية، تفاعل معها حتى غلبته دموعه، لم ينم في ليلته حتى كتب قصته، قبلتها المنصة في الندوة التالية، دعي ليلقيها؛ قاطعه التصفيق عدة مرات؛ صاح مشرف الأمن من آخر القاعة: "محسوم منك يومين" ضجت القاعة بالتصفيق.

اللقاء المنتظر:

لا أدري كيف تطفو هذه المتسولة العجوز على ذاكرتي من حين لآخر، تطوف البلدة في ثوبها الأسود الكالح وقفتها تعلو رأسها، يجود عليها أهل القرية بكسرات الخبز، فتقذفها في قفتها بحرفية كنت أعجب لها، كثيرا ما كانت تأوي إلى ظل التوتة الوارفة أمام بيتنا في وقت القيلولة، فتخرج لها أمي وتضع أمامها بعضا من الطعام، أتسلل في أعقاب أمي حتى أبلغ جلسة العجوز فأقف ملتصقا بقفتها، ترمقني بنظرات حانية وأنا أقلب في القفة والتقط بعضا من كسرات الخبز وأتناولها في حماس وسعادة، لم تلمني أمي يوما ولم تمنعني من ممارسة هذا الطقس الغريب، كنت في الرابعة من عمري، مر أكثر من ستين عاما، ولكنها مازالت تعاودني، نسيت فقط أسم تلك العجوز، قررت أن أسأل أمي عندما أزورها، فهي بالتأكيد تذكرها، عدت إلى لحظتي، فقد ماتت أمي منذ أكثر من عشر سنوات، سأسألها إذن حين ألقاها، ولن أخبر أحدا.