إنها مصر

نظرة على الخطر!

كرم جبر
كرم جبر

كان ذلك صيف 1988، عندما طلب منى أستاذى فتحى غانم الذهاب إلى أسيوط، قائلاً: أريد أن أعرف ماذا يحدث هناك؟، لا أريد رأى الصحفي، بل رأى الناس، واكتب رأيك فى نهاية التحقيق، بعد تسجيل الحقائق كاملة.

حينما احتلت الجماعة الإسلامية جامعة أسيوط تماماً وعطلت الدراسة، وطردت الحرس الجامعي، وأصابت المدينة بالشلل التام.

وفتحى غانم بالمناسبة كان رئيساً لتحرير روزاليوسف، وأحد عمالقة الرواية وأشهرها «زينب والعرش» و»الأفيال».

أسيوط.. الجامعة.. الجماعة الإسلامية، وكان أحد طلاب كلية التجارة، واسمه «شعبان»، يزيل منشوراً لأحد الأفلام السينمائية من يافطة أمام الجامعة، واحتك بمخبر شرطة، ودارت معركة، أطلق على أثرها رصاصة أصابت الطالب بغيبوبة، وقام أمراء الجماعة الإسلامية باحتلال الجامعة وتعطيل الدراسة وطرد الحرس الجامعي، وهددوا رئيس الجامعة بما لا يحمد عقباه.

أمر الرئيس مبارك بنقل الطالب إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة، ولكنه توفي، وانقلبت المدينة رأساً على عقب فى صلاة الجنازة، وامتلأت الشوارع بعناصر الجماعة المسلحين بالخناجر والسكاكين، وحاصرت قوات الأمن الطرق المؤدية إلى المسجد، وبداية الخراب كانت هنا.. احتلال الجامعات وإخضاعها لسيطرة الجماعة الإسلامية، ومنع إقامة الحفلات والرحلات، ومنع الاختلاط بأى صورة من الصور.

والمشكلة كانت جذورها قديمة، بدأتها الدولة بلعبة التوازن بين التيارات السياسية والدينية داخل الجامعة فى الثمانينيات، ومساعدة طلاب الجماعة الإسلامية للقضاء على الطلبة الناصريين والشيوعيين، فنجحت الجماعة الإسلامية فى التخلص من الجميع، وتغلغلت بالترغيب والترهيب، لدرجة أن أحد الطلاب ذهب إلى أستاذ جامعي، وطلب منه الابتعاد عن الفتاة التى يتحدث معها، ولما امتنع ضربه الطالب ضرباً مبرحاً، ثم اتضح أن الطالبة هى زوجة الأستاذ!.

وخاضت البلاد حرباً ضارية، دفعت ثمنها أرواحا طاهرة من رجال الشرطة والمواطنين العاديين، وانتقلت راية العنف والإرهاب، من أيدى طلاب الجماعة الإسلامية للجناح العسكرى لجماعة الإخوان المسلمين.

كانت جماعة الإخوان توزع العمل على ثلاثة أجنحة: «العقول» وهم الشيوخ الذين يعملون بالسياسة، و»الجناح العسكري» المسلح، و»الجناح المالي» الذى يتولى الإنفاق والتمويل.

ولأول مرة تظهر الأجنحة الثلاثة علانية، بعد أن قبضوا على زمام الحكم بعد أحداث يناير2011، فتدفقت الأموال بشكل مباشر، وانتشر السياسيون فى الفضائيات ليل نهار، وانتقل العنف إلى الميليشيات، وتم التركيز على جامعة الأزهر، لتكون وريثاً لجامعة أسيوط، وتستعيد تجنيد خيرة الشباب المتعلم، ولا ننسى أنه بعد اغتيال الرئيس السادات، انطلقت ميليشيات من الجامعة، قتلت أكثر من مائة جندى فى الشوارع فجر عيد الأضحى، واحتلوا مديرية الأمن وبعض الأقسام.

حرب تحرير مصر وسيناء بالذات من الإرهاب، كان ثمنها غالياً من أرواح الشهداء والضحايا، وشل قدرتها على القيام بأعمال إرهابية مثل التى كانت تحدث منذ سنوات.

لكن يبقى تفكيك البنية الفكرية للإرهاب، وحشد قوى المجتمع لبدء «عملية تطهير» العقول من الأفكار الإرهابية، التى لا تقل خطورة عن القنابل والسيارات المفخخة.