«جنون» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

محمد كمال سالم
محمد كمال سالم

اتصل بي مساء أمس، صديق عزيز عليّ، سمعت في نبرة صوته اضطرابًا لم أعهده فيه!!

سألته: مابك يا صديقي؟!

قال: في الحقيقة اتصلت كي أسألك، ألم أنس قلبي عندك؟

دُهشت من سؤاله هذا، أفكر في إجابة صائبة!

خِفت ألا آخذ سؤاله على محمل الجِد.

قلت: وهل فقدت قلبك صديقي؟

قال: اكتشفت هذا بعد أن انتابني عرض حِرتُ في تشخيصه، إلى أن ذهبت للطبيب، وأخبرني أن قلبي ليس بموضعه في صدري.

قلت: ماهو العرض الذي دفعك للذهاب إلي الطبيب؟!

قال: هذه قصة طويلة، لا أريد أن أطيل عليك، لكن أهمها، شعوري بخواء غريب!!

وكأني لست أنا!! فقدت بهجتي، طاقتي، شهيتي وشهوتي، لم أعد أهتم لشيء!! لا أحزن، لا أفرح، لا حنين لا شوق، وكأنني متُ فصرتُ جسدًا بلا روح! أو كأني في غيبوبة طويلة، يتحرجون أن يرفعوا عني أجهزتهم الحيوية.

صرتُ أسائل مرآتي:أين صورتي؟

ظننته أمرًا عارض سيزول، إلي أن قالت لي إحدى جاراتي:

ماذا بك؟ كانت لديك طاقة إيجابية أينما وجِدت، أين ذهبت؟!

هنا قررت أن أذهب للطبيب الذي قال لي: عليك أن تبحث أين أضعته؟ وإلا سأجدني مضطرًا أن أصدر بحقك شهادة للوفاة.

حيرة!!!

ما زادني حديثه إلا حيرة ودهشة، الجدية المتواترة في صوته، أنهت علي احتمال أنه يمازحني.،

ثم أضاف: لم أترك قريبًا أو صديقًا

إلا سألته عنه، وكل من سألته وكنت موقنًا أنه عنده، كان يخيب ظني في كل مرة. حتى رفقة المقهى أنكروه، لم أسمع من حديثهم الودود إلا صوت النرد.

ودعته مغتمًّا مهمومًا، وواعدته أن أعوده في الصباح.

بدل صديقي مِزاجي وأصبح كدرًا، غلب فكري النوم: هل فقد صديقي عقله؟!

ما الذي عصف به إلى هوة الجنون، عرفته رصينًا رزينًا،وثابًا بيننا بالود، مرحًا خفيف الظل.

في الصباح، وفي طريقي إليه، كنت أحمل فوق كاهلي، كيف أساعد هذا العزيز؟!

استقبلني لدى الباب، باسمًا، تقطر وجنتاه بالسعادة!

قلت: غريبٌ أمرك يا أخي! من يسمعك ليلة أمس، يُدهش من حالك الآن؟!

قال فرحًا: أغلقت معك الهاتف أمس،

وقلت لنفسي: فلأذهب وأنام، لعل الله يرسل لي إشارة، أو يهديني إلى طريقه، وما أن وضعت رأسي على وسادتي، إذا بأطفال الجيران يلعبون الكرة، ويحدثون صخبًا، حال بيني وبين النوم، خرجت إلى الشرفة أنهرهم:

ولد أنت هناك!! ماذا تفعل!! بماذا تلعبون؟وأين وجدتموه؟

هذا قلبي!! هذه ليست كرة!