قادتني الصدفة إلى مستشفى اكتوبر العام الأسبوع الماضي عندما تعرض نجلي لإصابة في وجهه أثناء تواجده في الجامعة التي يدرس بها بمدينة السادس من اكتوبر.
تلقيت اتصالا من زملائه بما حدث وقيامهم بالتوجه إلى مستشفى اكتوبر العام للكشف عليه وعلاج الجرح في وجهه.
تحركت مسرعًا للحاق بهم في المستشفى وعند وصولي اكتشفت انهم على مدار ساعة كاملة لم يتمكنوا من توقيع الكشف على المصاب لعدم وجود أطباء في الطوارئ!
دخلت المستشفى وفوجئت بما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. فوضى شاملة غير مسبوقة.
سألت عن مدير المستشفى وأجابوني بأنه غير موجود .. فقلت بمنتهى حسن النية « طب فين نائب المدير أو رئيس قسم الطوارئ أو أي مسئول بالمستشفى ممكن اتكلم معاه «.
كانت الاجابة ابتسامة ساخرة من الممرضة المتواجدة بمكتب التمريض وقالت « دور عليهم».
سألتها هل من المنطق أن أبحث عن أي مسئول في المستشفى أم أن الطبيعي يحتم أن يتواجد كل مسئول في مكتبه أو مكان عمله يؤدي واجبه وخاصة إذا كان عمله متعلق بحياة بشر.
أجابتني الممرضة ببرود « وانا مش شغلتي اني ادور لك عليهم».
تجاهلت برودها وسخافتها وبحثت عن سرير أو حتى كرسي يرتاح عليه المصاب دون جدوى.
سألت عن طبيب جراح ليفحص المصاب ولكنني كنت أشبه بمن يبحث عن ابرة وسط كومة قش!
علمت منهم أن هناك طبيبا جراحا واحدا موجودا في المستشفى ولكن مكان تواجده يعتبر لغزا عميقا أصعب من ألغاز نيللي وشريهان.
وظللنا نبحث عنه لمدة نصف ساعة إلى أن عثرنا عليه بالمصادفة وهو يتجول في طرقات المستشفى.
وفحص المصاب على الواقف في الطرقة وطلب منه الانتظار لحين العثور على سرير شاغر لخياطة الجرح.
سألته عما إذا كانت الخياطة ستترك أثرًا في وجهه فأكد عدم وجود خياطة تجميلية بالمستشفى.
وهنا كان فصل الختام في رحلتنا القاسية داخل مستشفى اكتوبر العام وهي تجربة مريرة بكل ما تحمله الكلمة من معان.
لا وجود لأبسط الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالنظافة والامان ناهيك عن الفوضى العارمة داخل المستشفى وغياب الاطباء والمسئولين.
أشك أن هناك زيارات مفاجئة من جانب مسئولي وزارة الصحة لهذا المستشفى وإلا كان هناك قرار بإغلاقه منذ سنوات.
شكرًا للصدفة الني قادتني الى هناك ومنحتني تجربة واقعية لم أكن أحلم بها لأرى بعيني ما يتعرض له المرضى وذويهم في هذا المكان الذي يحمل مجازًا اسم مستشفى.
واصطحبت نجلي وتوجهت الى مستشفى خاص لعلاج جرحه وتساءلت بمرارة بيني وبين نفسي عن موقف أي مريض آخر لا يمتلك القدرة على التوجه إلى أي مستشفى خاص.
هناك جهود كبيرة تبذلها الدولة لرفع كفاءة المنظومة الصحية بشكل كامل ولكن هذه الجهود يهدرها بعض صغار الاطباء المسئولين عن إدارة هذه المستشفيات.
ولا أريد أن اسمع العبارات السخيفة اياها من عينة تدني الرواتب وضعف الامكانات ، فهناك مستشفيات حكومية اخرى يتقاضى الاطباء العاملون بها نفس الرواتب ويعملون بنفس الإمكانيات ومع ذلك يؤدون عملهم بكفاءة واتقان وضمير يقظ ابتغاء وجه المولى سبحانه وتعالى.