« من أجل ابنتي» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبدالعظيم

أميرة عبدالعظيم
أميرة عبدالعظيم

 السماء ملبدة بالغيوم.. أهابها رغم حبي للمطر، ينقبض القلب، أجلس خلف الشرفة في مواجهة البحر، الأمواج عاتية، يسقط المطر بغزارة.. يهدأ البحر وتعود السكينة.

البحر يُحدث حَبّات المطر

 ويتناغم معها وكأنه مارثون قد تحول إلى إيقاع راقص، هدأت نفسي بهدوء البحر وسقوط المطر، جاءت ياسمين ابنتي تنادى من الخارج في شغف

: ماما

:خير حبيبتي

ياسمين: فيه موضوع مهم عايزه أقولك عليه

: قولى حبيبتى

ياسمين: أحمد أنهى فترة الجيش وعايز يجيب أهله ويجى يزورنا

فى لحظة شعرت وكأن قلبى يُختَطف، لا أدرى ماذا حدث لي انتابنى شعور بخوف شديد ارتطم قلبي في صدري وكأنه زلزال يضرب أعماقي وإذا بالدموع تنهمر من عيني كسيل حبات المطر  على زجاج الشرفه؛ ياسمين والدها توفى منذ عامين بعد معاناة شديدة مع المرض على مدار خمس سنوات، وأنا وهى نعيش بمفردنا في "الغردقة" ليس لنا أقارب هنا.

 كانت ظروف زواجي من والد ياسمين قاسية، لا يمكن أن تتحملها أي فتاة، فقد رفضت كلتا العائلتين هذا الزواج رفضاً قاطعا شكلاً وموضوعاً، ولكن ما كان بيني وبينه أكبر من هذا الرفض, أيضاً لم يكن لدينا خيارات إما أن نستسلم وإما أن نتزوج!!!

قررنا أن لا نستسلم وفعلاً  تزوجنا وتركنا البلد وهاجرنا إلى "كندا"، بعدها بسنوات أنجبت ياسمين، حاولت الاتصال بأهلي لتعود المياه إلى مجاريها وتصورت أنهم عندما يعلمون بأن لهم حفيدة سيكون لهذا تأثير قوي ولعلهم يعيدوا النظر ويصفحون عني، إلا أن رد أمي كان صادما

: سعاد ماتت! وأنهت المكالمة

وهذا أيضاً ماحدث لزوجي مع أهله، ومنذ ذلك الحين قررنا ألا نعود.

كبرت ياسمين وتمكن المرض اللعين من زوجي، ظل يعاني منه حتى أنهكه تماما كما أنهكته الغربة، قررنا العودة للوطن وكان كل التفكير أين سنعيش...

وقع الاختيار على البحر الأحمر بالتحديد "الغردقة" وفعلاً تم ترتيب كل الأمور وعدنا إلى وطننا الحبيب.

اشتد مرض زوجى إلى أن وافته المنية منذ عامين وتَركَنا فى منتصف الطريق، بعد أن أكملت ياسمين دراستها وحصلت على بكالوريوس الهندسة المعمارية كما تمنى والدها، كنت على يقين تام بأن هذا اليوم سيأتي ولكني لم أتوقع قدومه بهذه السرعة

ياسمين: ماما مالك

مره أخرى حاولت استعادة قواي من أجل ابنتي، الحياة مليئة بالغيوم والعثرات لكنها مستمرة في الركض بنا ولا تتوقف

: حبيبتى ربنا يسعدك

ياسمين: ماما عارفه إنك قلقانه وأنا مقدره ده لكن تأكدي يا أمى إن أحمد شخص محترم ومن عائلة محترمة جدا، أنا مش عايزاكى تقلقى من حاجه كمان أنا اتفقت معاه إننا هنعيش معاكى وهو مقدر تماماً إن إحنا مالناش إلا بعض.

كلام ياسمين هدّأ من روعى قليلاً، ولا أريد أن أتخذ قرارا متسرعا في هذا الأمر، تعودت على نمطية لحياتي لا أستطيع تغييرها بسهولة، صعب جداً أن أُدخل على حياتنا أنا وابنتي شخصاً آخر، لكن من الواضح أن ياسمين تحبه فهي تتراقص فرحاً وسعادة، ولا أريد أن أكرر مع ابنتي ما حدث لي في الماضي، وأفتح جرحاً مازال ينزف حتى الآن، سأفعل ما يجب أن تفعله كل أم ولن أكون سببا فى نهاية تعيسة لابنتى.

البحر لا يهدأ والأمواج مازالت تعلو وتركد وهكذا هي الحياة، مواقف نشهدها وتجبرنا على الاستمرار دون توقف.