«الإحصاء»: نصيب الفرد من المياه تناقص 120٫8 متر مكعب خلال عشر سنوات

«الانفجار السكانى».. غول يلتهم ثمار التنمية| مصر الأولى عربياً والثالثة أفريقياً والـ 14 عالمياً فى عدد السكان

الانفجار السكانى
الانفجار السكانى

«الجمهورية الجديدة».. هى بالفعل واقع تبذل الدولة كل جهودها لتحقيق كافة أركانه، بما يتيح للمواطن المعيشة الكريمة فى دولة تسير بنمو اقتصادى مميز وتقدم له خدمات تنموية متطورة فى كل المجالات..

إلا أنه ومع كافة الجهود التى تبذلها الدولة مازال لدينا عقبة كبيرة فى طريق تحقيق ذلك الحلم، ألا وهى «الزيادة السكانية» التى جعلت المواطن لا يشعر بتلك الجهود المميزة..

فوفقًا لأحدث الإحصائيات فإن مصر تأتى فى المرتبة الرابعة عشرة عالمياً من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقياً والأولى على مستوى الدول العربية، وليس ذلك فحسب بل إنه وفقا لما أعلنته إدارة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية فإن نصف سكان العالم سيتمركزون خلال العقود المقبلة فى ثمانى دول فقط من ضمنها مصر..

وربما يظن الكثيرون أن المواطن المصرى ليس على دراية بمخاطر تلك الزيادة المطردة فى السكان إلا الأمر على العكس تماماً، فمؤخرا أجرى مجلس الوزراء استطلاعاً للرأى، وكانت النتائج مفاجئة، فأكد الاستطلاع أن 70.7% من المواطنين بالعينة يرون أن مصر تواجه بالفعل مشكلة زيادة سكانية..

وفى هذا الملف نحاول أن نصل إلى إجابة واضحة حول عدم اتخاذ المواطن القرار الصحيح حتى الآن بالرغم من علمه بهذه الكارثة، وكيف تؤثر الزيادة سلباً على معيشتنا، وما هو الحل الأمثل فى المستقبل لتفادى كل تلك السلبيات؟

قبل أن نشرع فى الحديث عن تلك الأزمة وآثارها السلبية دعونا نعود لسنوات قليلة ماضية لنرى كيف تطور الأمر أمام أعيننا، فقد ارتفع عدد سكان مصر من 72٫8 مليون نسمة وفقاً لتعداد عام 2006 إلى 94٫8 مليون نسمة فى تعداد عام 2017، ثم إلى 102٫9 مليون نسمة فى تقديرات 1/1/2022 بزيادة قدرها 8٫1 مليون نسمة عن بيانات آخر تعداد، ثم قفزنا إلى 105٫5 مليون نسمة عام 2023، وذلك وفقاً لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

ومع تلك الزيادة الكبيرة فى السكان زادت التحديات التى تواجه الدولة المصرية، والتى يؤثر التعداد فيها بشكل مباشر، ومن أهم وأخطر تلك التحديات جاء «نصيب الفرد من مياه النيل». فوفقاً لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء نجد أن متوسط نصيب الفرد انخفض بنحو 120٫8 متر مكعب خلال العشر سنوات الأخيرة فقط، وذلك بسبب الزيادة الكبيرة فى السكان.

وأكد التقرير أن عدد السكان سجل زيادة قدرها ما يقرب من 20 مليون نسمة خلال الـ 10 سنوات الماضية؛ حيث بلغ 85٫8 مليون نسمة عام 2014، و105٫5 مليون نسمة عام 2023.

وأوضح التقرير أنه مع الزيادة السكانية المتسارعة تناقص متوسط نصيب الفرد من مياه النيل خلال الـ 10 سنوات الماضية بشكل كبير فبلغ 646٫9 م3 عام 2014، و639٫4 م3 عام 2015، ووصل متوسط نصيب الفرد من مياه النيل 616 م3 عام 2016، ثم 602٫6 م3 عام 2017، وانخفض إلى 576٫3 م3 عام 2018. ثم إلى 565٫7 م3 عام 2019، أما فى عام 2020 فبلغ متوسط نصيب الفرد من مياه النيل 556٫1 م3 ، ثم 546٫8 م3 عام 2021، ثم 539٫4 م3 عام 2022، وفى العام الحالى 2023 قدر متوسط نصيب الفرد من مياه النيل بـ 526٫1 م3..

زيادة الاستهلاك

فى هذا الصدد يقول د. عباس شراقى، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن الزيادة السكانية تؤثر سلبًا على موارد الدولة المائية، فكلما زاد العدد قابلته زيادة فى الاستهلاك، وبالتالى تهديد الموارد المتاحة.

ويشير إلى أنه قبل بناء السد العالى عام 1959 كانت الحصة المائية لمصر 55٫5 مليار متر مكعب، فوصل نصيب الفرد آنذاك إلى 2000 متر مكعب من الماء، أما فى الوقت الراهن أصبح نصيب الفرد 500 متر مكعب فقط.

ويؤكد أنه مع مرور الوقت وزيادة عدد السكان، تقل نسبة الفرد من المياه، مما يحدث أزمة فى الموارد المائية، وقدرت منظمة الأمم المتحدة خط الفقر المائى بـ 1000 متر مكعب من المياه سنويًا للفرد، وهو ما يعكس الوضع الراهن من الزيادة السكانية وتأثيرها السلبى.
ويوضح شراقى، أن التأثيرات السلبية للزيادة السكانية، لها علاقة وطيدة بالضغط على الأمن الغذائى أيضًا، إذ تلقى بظلالها على معدلات الزراعة والرقعة الخضراء، وما تنتجه من موارد غذائية تكفى حاجة الدولة، لذلك يتوجب الاهتمام بالتنمية واستغلال الثروة البشرية الكبيرة للدولة فى الإنتاج والنشاطات الزراعية والصناعية وغيرها، حتى تتحول إلى أمر إيجابى.

وحش ملتهم

لعل التشبيه السائد للزيادة السكانية بالوحش الذى يلتهم الموارد الاقتصادية للدولة فى وقت تشتد فيه الحاجة إلى حفظ الموارد وتنميتها، يجسد فاجعة المشكلة، وفى هذا الصدد، يؤكد د.عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الزيادة السكانية تمثل مشكلة كبيرة على الاقتصاد، فالدولة تسير بمعدل زيادة يتجه إلى 125 مليون نسمة بحلول عام 2030، ويؤثر ذلك بشكل مباشر على نفقات الدولة فى الخدمات مثل الصحة والتعليم، ويؤدى إلى انتشار ظاهرة البطالة، وعدم إحساس المواطن بآثار التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادى، وكذلك زيادة الطلب على السلع والخدمات والوحدات السكنية.

ويوضح أن مخصصات الدولة للإنفاق على التعليم الأساسى بلغت 172 مليار جنيه خلال العام المالى 2021-2022، وعام 2023 /2024 تجاوزت 390 مليار جنيه، ولقطاع الصحة نحو 132 مليار جنيه خلال العام المالى 2021- 2022، و370 خلال العام المالى 2023، كما أن الزيادة السكانية تزيد من معدلات البطالة والفقر لاسيما وأن الدولة لا تستطيع توفير فرص العمل المطلوبة والمتزايدة
سنويًا، إذ إن سوق العمل فى مصر يدخل فيه سنويا 900 ألف إلى مليون مواطن من الأيدى العاملة، ممن هم فى سن العمل.

 النمو الاقتصادى

يشير السيد إلى أن تكلفة فرص العمل مرتفعة، فالفرصة الواحدة تحتاج لـ 200 ألف جنيه، وهذا يعنى أن الدولة تحتاج لاستثمارات محلية أو أجنبية تزيد على 200 مليار جنية سنويًا، كما أن زيادة السكان تمثل وسيلة للضغط على خدمات الدولة المختلفة التعليم والصحة ووسائل المواصلات، وبالتالى تظهر ظاهرة تكدس الفصول الدراسية وعدم تقديم خدمات صحية جيدة خاصة مع نقص إمكانيات الدولة.

ويضيف أن من مخاطر الزيادة السكانية والآثار السلبية التى تؤثر على النمو الاقتصادى، الزحف العمرانى وتآكل الرقعة الزراعية لأن الزيادة المستمرة فى أعداد السكان خاصة التى تؤدى إلى اللجوء لاستخدام الأراضى الزراعية كمجمعات سكانية وبشكل عشوائى، وهذا ما حدث فى مصر حيث تآكلت الرقعة الزراعية من 9٫2 مليون فدان إلى 8 ملايين فدان.

ويقول إنه يجب أن يتناسب معدل النمو السكانى مع معدل النمو الاقتصادى حتى تستطيع الدولة توفير كل الخدمات ويشعر المواطن بتحسن الأحوال المعيشية، كما يجب فى حالات الزيادة السعى لجذب مزيد من الاستثمارت الأجنبية والمحلية لزيادة الشركات والمصانع وزيادة فرص العمل، وضرورة التوجه إلى التوسع فى أعمال التدريب.

تغيرات نفسية

مع النمو المتسارع فى أعداد السكان، يزداد الضغط على المؤسسات التعليمية والثقافية بما يخلق عادات اجتماعية دخيلة، فهل تؤثر على الشخصية المصرية؟

يجيب د. وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، بأن مشكلة الزيادة السكانية يترتب عليها توزيع عشوائى للسكان بما يُنتج مشكلات اجتماعية كبيرة، واختلافا فى تركيبة الخصائص السكانية، وبمصر المواليد دائمًا فى ازدياد حتى قاربنا على الوصول إلى 110 ملايين نسمة وهو معدل ضخم للغاية، والمشكلة أن 40% من هذه النسبة تحت سن 16 عامًا، وهى فئة أكثر عرضة للتغيرات الاجتماعية والنفسية..

ويشرح أن الزيادة السكانية تحدث بسبب فائض فى المواليد أو عجز فى الوفيات بمنطقة جغرافية محددة، وما يحدث مشكلة عالمية وليس فى مصر فقط، فوصل سكان العالم إلى 7٫8 مليار فى 2020، ولكن الوضع يختلف حسب قدرة وموارد كل دولة..

ويضيف استشارى الصحة النفسية، أن البعض يظن أن مشكلة الزيادة السكانية تعانى منها الحكومة ومؤسسات الدولة فقط، لكن فى حقيقة الأمر المواطن هو أكثر المتضررين لأنها تقلل فرص التعليم الجيد والرعاية الصحية المناسبة وتسبب انخفاضاً فى مستوى الثقافة، وحرمان الفرد من الحق الإنسانى فى المكان نتيجة زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة وضيق مساحة المنزل وهو أمر له توابع نفسية واجتماعية قد تصبح خطيرة.
الفساد والانحرافات

يعدد هندى سلبيات الزيادة السكانية، بخروج أفراد للمجتمع لديهم سلبية نحو الذات فيصبحون أكثر عرضة لتعلم الفساد والانحرافات، كذلك توسع فئة تعانى من الأزمات المالية والفقر يأخذون طريق الجريمة والمخدرات وغيرها من الأمور غير الشرعية، وكذلك ارتفاع معدل الهجرة غير المشروعة والتسول والعنوسة والبطالة.

ويشير إلى أهمية خلق طرق مستحدثة لمواجهة الظاهرة التى تتزايد يومًا بعد آخر، وعلى رأسها التوعية الحديثة المبسطة والعمل على نشرها فى كل ربوع مصر، بالاعتماد على شخصيات شعبوية لها تأثير لدى المواطن البسيط، وكذلك خلق نوع من الشراكة الموضوعية بجعل نماذج من المواطنين تشترك فى مشروع التوعية، فنحن أمام مشكلة حقيقية لابد من العمل على مواجهتها بشكل مستمر.