أصل الحكاية | «أربعينية الشتاء» .. أجدادنا قالوا: «الليالي السودا خير» 

صورة موضوعية
صورة موضوعية

الأصل الدقيق للتقويم المصري القديم غير معروف، لكن من المقدر أنه بدأ منذ حوالي 5000 عام، استخدم المصريون القدماء التقويم القمري حصريًا حتى اعتمدوا تقويمهم الشمسي.

ثم استخدم المصريون التقويم القمري في أعيادهم وطقوسهم الدينية، أما في حياتهم اليومية فقد استخدم المصريون القدماء التقويم الشمسي الذي يحتوي على 365 يومًا في السنة، كان كل عام يتكون من ثلاثة فصول مدة كل منها أربعة أشهر، والتي تم تسميتها على اسم أحداث مهمة تتعلق بنمط حياتهم الزراعي، كما أكده الدكتور حسين عبد البصير عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية.

اقرأ أيضًا| منع سداد الديون.. أغرب قوانين عيد الميلاد حول العالم

وأوضح الدكتور حسين عبد البصير عالم المصريات، أن الحياة كانت في مصر القديمة تعتمد على نهر النيل، الذي كان ضروريًا للزراعة والنقل وتنمية المجتمع المستقر وبناء العديد من المدن على طول نهر النيل، كانت السنة في مصر القديمة تنقسم إلى ثلاثة فصول: آخت، وبِرت، وشمو، ويمتد كل موسم لمدة أربعة أشهر ويمثل فترة مختلفة في دورة فيضان النيل، وكانت لدورة فيضان نهر النيل أهمية خاصة لأنها كانت تحدد متى يمكن زراعة المحاصيل وزراعتها وحصادها.

على مدار التاريخ المصري القديم، الذي امتد لآلاف السنين، استخدم الشعب المصري تقويمين، يتكون التقويم القمري، الذي تم تطويره أولاً، من اثني عشر شهرًا ويتبع دورات القمر.

 التقويم الشمسي، الذي تم تطويره لاحقًا واستخدم كتقويم مدني بعد ذلك، كان يحتوي على 365 يومًا في السنة، "التقويم الجريجوري، الذي يُستخدم حاليًا كتقويم مدني في معظم أنحاء العالم، يستخدم أيضًا سنة مكونة من 365 يومًا، وهو تقريبًا مقدار الوقت الذي تستغرقه الأرض لإكمال دورة واحدة حول الشمس".

أما عن "أربعينية الشتاء" استخدمها المصريون القدماء لتحديد حالة الطقس :

وأكد عبد البصير، أن المصريين لم يكن لديهم تطبيقات خاصة تكشف حالة الطقس اليومية، ولم يكن هناك برامج تتنبأ بحالة الطقس في الفصول المختلفة، وهو ما قادهم لاختراع تقويم فيما بينهم وأطلقوا عليه "أربعينية الشتاء".

قسم المصريون الأيام التي تشهد انخفاضًا ملحوظًا في درجات الشتاء والبرودة في مصر إلى 40 ليلة، تبدأ هذه الليالي من 25 ديسمبر وتستمر حتى 20 فبراير، وتم تقسيمها إلى 20 ليلة بيض و20 ليلة سود، ويغلب على الليالي البيض موجات من الصقيع والبرودة في الليل، وتكون قليلة في تكون السحب والغيوم، وتسقط خلالها الأمطار كما تكثر فيها العواصف، ويكثر فيها نزول الندى أو "الشبورة"، ويباغت الناس البرد أغلب ساعات النهار والليل.

20 ليلة بيضاء و20 ليلة سوداء

‏أما الـ 20 ليلة البيضاء فمنقسمة إلى 10 ليالي "كوالح" من 25 ديسمبر إلى 3 يناير، و10 ليالي طوالح من 4 يناير لـ13 يناير، أما الـ 20 ليلة السوداء فمنقسمة إلى 10 ليالي "موالح" من 14 يناير لـ23 يناير، و الصوالح من 24 يناير لـ 2 فبراير.

10 ليالي تسمى "الكوالح" ويظهر معني كوالح جمعًا لكلمة كالح، وتعني وصف الوجه شديد العبوس من الضيق أو الذي بدت أسنانه عن العبوس من شدة التأثر بالبرد.

أما الـ 10 ليالي "الطوالح"، ومفردها طالح ومن معانيها المُعيي، فكان يقول العرب ناقة طليحُ أسفارٍ، وذلك إذا جَهَدَها السيرُ وهَزَلها، وتبدأ الطوالح من 4 من شهر يناير حتى 13 يناير.

أما الليالي السود، فقد سميت بالسود من شدة البرودة وتجمع الناس في الريف حول مواقد النار للتدفئة، وتنقسم إلى، 10 ليالي تسمى"الموالح" وهو وصف لتلك الأيام ويعني قبولها، وسميت موالح أي بدا لها طعم كالطعام عندما يضاف له الملح فيجعله مِلحًا أي مقبول وسائغ.

ثم يتبعها 10ليالي أخرى تسمى "الصوالح" وتعني البداية لإصلاح الأمر وانتظار الخير أو في معني آخر صَارَت حَسَنة وَزَالَ عَنْها فَسَادها، حيث يبدأ الطقس في التحسن نسبيًا عن أيام الطوالح، وتبدأ من 24 يناير حتى 2 من فبراير، وكان المصريون يتفاءلون بالليالي السود بالرغم من اسمها.

قرة العنز

يتبع الأربعينية أو الأربعين ليلة، 10 ليالي تسمى "العزازة" ، وتوصف بأنها ليالي متقلبة، وتبدأ من 2 فبراير حتى 11 فبراير، وتمتاز بتقلب الجو ما بين البرودة والدفء، ثم تأتي بعدها ليال ثلاث تسمى "قرة العنز" وسميت بهذا الاسم نسبة إلى ما يحدث للعنزات من ضرر نتيجة شدة البرودة، حيث كان الفلاحون والبدو يخسرون كثيرًا منها بسب البرد الذي لا تحتمله وتموت، ويكون الطقس في هذه الليلات الثلاث شديد البرودة، وتنتهي في 14 فبراير موجات البرد القارص.

ثم تأتي بعد ذلك أيام الحسوم أو الحسومات، وهي الفترة التي يبدأ فيها الغبار والأتربة، وتبدأ من 10 من شهر مارس وتستمر حتى 17 من نفس الشهر، وتمتاز بزيادة سرعة الرياح وهبوبها في هذا التوقيت، وتبدأ خلالها عملية تلقيح الأشجار والنباتات والزهور، قبل دخول فصل الربيع المبهج.

سبب حب المصري الليالي السود

ويميل المصري للطقس في الليالي السود وذلك لاعتماده في حياته على الزراعة بشكل كبير وفي هذه الفترة تثبت جذور الزرع ويبدأ في الإنبات.

وبحسب الأقوال القديمة ‏"في الليالي السود يفتح كل عود " جدودنا كانوا بيحبوا الليالي السود لأن مصر دولة زراعية بالمقام الأول، وهذه الفترة اللي بتثبت فيها جذور الزرع في الأرض ويبدأ ينبت".