«دبوس» قصة قصيرة للكاتب عمرو صلاح الغندقلي

الكاتب عمرو صلاح الغندقلي
الكاتب عمرو صلاح الغندقلي

استيقظت الساعة السادسة صباحا، مثل كل يوم، اسمها ياسمين أحمد الدمرداش، ذات وجه في استدارة وجه القط، وشعر كستنائي ناعم يجمع خصلاته توكة في البيت والعمل، تلبس محتشمة رغم أنها ليست محجبة ولكن أجمع الكل علي حسن تربيتها منذ سكنت شارع الأزهار بالساحل حين تزوجت كمال سيد الطويل منذ عشرة أعوام، هو طيب القلب غادر الطموح حياته بلا رجعة ويسعي دائما الي إكمال يومه حتى يعود إلى بيته بعد أن يُغلق دكانه الذي ورثه عن أبيه، بوتيك أحمد الطويل، مازال اسم أبيه أعلى اللافتة ما يقرب من أربعين عام.

أنهى معهد فني تجاري وتزوج ياسمين بعد الجيش مباشرة"، كانت زميلة أخته في الثانوية العامة ورشحتها له بعد ان أحبتها أمه وشعر أن أمه راضية عن تلك الزيجة وهو الحريص دائما علي رضاها.

قامت من النوم علي صوت المنبه متوجهة إلى غرفة أبنائها أحمد وفرح، أيقظتهم وأعددت لهم ملابسهم ثم توجهت إلى المطبخ أُعد لهم شندوتشات ولزوجي الذي يقوم من نومه التاسعة، ووضعت له الغيار في الحمام، كما أعتاد بعد ليلة حب باهتة، تجمعنا في الشهر مرتين أو ثلاث، وارتديت ملابسي ونزلت إلى عملي.

أعمل موظفة حسابات بالأمانة العامة للمستشفيات والجمعيات العلاجية في أول عباس بمدينة نصر، مشيت حيث حضانة فرح إلى شارع راتب باشا ثم إلى شارع شبرا وانتظرت أتوبيس الهيئة لأركب فإذا جاء مزدحما كعلبة السردين كالعادة أنتظر حتي يأتى أخر ما دام هناك متسع في الوقت، المصريون أدمنوا الزحمة حتي تاهو الحبايب كما غني عدوية ....، مالذي حدث للمصريين ..؟

دائما أسرح وأفكر لما تحولت مصر التى كانت مملكة منذ عهد قريب إلى جمهورية ؟ وما تغير منذ أكثر من ستين عاما في أخلاق وثقافة المصريين..؟

كانت تحكى جدتي التي قامت بتربيتي بعد وفاة أمي في حادث قطار منذ زمن، تحكي عن مصر الجميلة التي كانت عاصمة للفن والثقافة والإبداع، كانت تذهب كل خميس إلى سينما في شارع عماد الدين أو مسرح، وحضرت حفلة لأم كلثوم لا تُنسى، كم كانت سعيدة بالغناء العذب واللحن الشجى في أغنية بعيد عنك، كان الرقي والتحضر يسكن دروب العاصمة، حاضرة الدنيا .

 مر أتوبيس آخر قادم من جهنم يركبه أحد أبناء إبليس الوقت مر لابد أن أركب، تحشرت وسط هذا الركام من أشباه الناس ولاد الناس، الموظفون في الأرض الذين ينتظرون بفارغ الصبر السكن في جنة السماء ، .... اف اف أعوذ بالله حرام عليكم استحموا تكسبوا ثواب ....أيه ده حسبي يا ست أيه التشط اللى شيلاها ده ...يا ساتر يارب...

 وبين هذا العصر والزق واللزق والروائح التي تخرج من عدة أماكن متفرقة من جسم الإنسان القاهري والذي كان ريفي ثم تقهر بعد الوظيفة، تجد فحل يقترب كذئب يلهث وراء فريسته، أكاد اختنق من هذا الجحش الذي يستغل الزحام لينقض على فريسته، وأنا التي إذا صرخت أجد من يكون معي ومن يكون ضدي، تجد بعضهم يقول: هي الوحدة لو كانت لابسة كويس ومحجبة مش كان أحسن ما تثير شهوات الرجال، والشباب تعبان، اتقوا الله حرام عليكم....

أستغفر الله العظيم ... أصل أول عباس وأنزل محملة بكافة أنواع التقزز والاشمئزاز ، أصل في الوقت المناسب وأصعد إلى المكتب.

أجلس وأطلب قهوة وأدخل الحمام أغسل وجهي وأتحسس بقايا أنوثتى وأتاكد أنى مازلت أنثى وأعود إلى المكتب .

 في الأمانة ملايين من الجنيهات يتم صرفها علي علاج المصريين، لما لا يتم صرفها علي المصريين حتي لا يمرضوا اصلا..؟ مثلا يهتمون بالغذاء الصحي والسكن والزراعة والصحة النفسية للمواطن فلا يمرض ....؟

متى يكف عقلى عن طرح الأسئلة ؟

انا إمرأة في مجتمع ذكوري في الشكل وأغلب النسوة تعلم حقيقة ذلك والبركة في البرشام وربنا أمر بالستر...!

عدتُ إلى البيت وعاد الأولاد وأعددت الغداء واستحممت وخطر على بالى أن أصنع شئ يصد عني احتكاك أشباه الرجال، هؤلاء المرضى الذين يعانون ...نعم أعلم ذلك.

 في أربعنيات القرن الماضى كانت جدتي لا تكاد تعرف في الحى الذي كانت تسكنه حالة اغتصاب أو تحرش ..! في الوقت الذي لم يكن هناك حجاب وكانت النسوة تلبس قصير وكان أغلب الرجال لا يجرؤ أحدهم أن يقترب من إمرة في شارع أو أية وسيلة مواصلات ...!

ماذا حدث ؟

سأصنع علاج للعرض لا للمرض، قمت بصنع شبه حزام أضعه على كتفى مثل حقيبتي، أضعه حول أماكن جسدي الحساسة، عليها طبقة رقيقة من الإسفنج تخفى سنون دبابيس موضوعة خلف الإسفنج، تشك كل من اقترب ...

.الدبوس مصنوع لنثبت به شئ لا نشك به أحد

ماذا حدث للمصريين...؟

مازلت أفكر وأطرح أسئلة ، مازلت أبحث عن أجوبة

وأتحسر علي زمن جدتى التى عاشت مصر الجميلة.

اقرأ أيضا|  «على الشاطئ».. قصة قصيرة للكاتب عمرو صلاح الغندقلي