«ميراث الشر» قصة قصيرة للكاتب علاء الدماصي

 علاء الدماصي
علاء الدماصي

كانت نسمات الهواء تداعب قرص الشمس وأصوات العصافير كنغمات لأنشودة دينية رائعة، المآذن تتلألأ بالأنوار والمصابيح، الشوارع مكتظة بالزينية وترتسم حياة كأنها تبتهج، وأهالي الحي يتبادلون أطباق الحلوى والمكسرات وأطيب الأطعمة في حالة من الفرح والابتهاج يسدوها روح الأخوة والتعاون والمحبة.. كذلك يبدو حال ساكني حي الحسين إلا في بيت شيخ عجوز ضرير البصر والبصيرة يدعى: مصطفى الجندي

المشهد في بيت الجندي يبدو كئيبا ومفزعا.. البيت يشبه المقبرة لا يزوره أحد في الأعياد ولا يخرج منه أحد للمشاركة في الموائد الرمضانية تطوعاً كسائر البيوت في الحي ، وما يزيد المشهد ألم لنفس سوية لا يسكنها الحقد وترتوي بالمحبة والمودة، حينما ينطلق مدفع الإفطار أو يؤذن المؤذن تجد الجميع في البيت مثل الرهبان في الأديرة وكأن كلٌ منهم يعيش في عالم آخر منفصل عن أخيه وما يربط بينهم ماء راكد جاء من مستنقعات وليست دماء تجري في العروق والأوردة .

أما عن غرفة السيد مصطفى الجندي.. المنظر صاخب ومليء بالحسرة، حيث يرقد بمفرده ووجهه شاحب، ناهيك عن جسده النحيل الذي يفقد سمات الحياة وعيناه الضريرتين اللاتي أصابتهن سهام الغضب والحزن بعد أن صفعه ابنه الأكبر سنا المدلل فعلاً على خديه، رداً على معاتبته خلال تشاحنه مع أخيه الوسيم ظاهرا ً والقبيح خلقاً وطبعا محمود، أثناء تنازعهم على اقتسام الجزء الأكبر من الإيراد السنوي لمحلات والدهم الكائنة بالدقي، وصراخ أختهم يسرا الباحثة عن نصيبها من الميراث الذي يعيش صاحبه على قيد الحياة !

أدرك الجندي حصاد أعماله بعد سنوات مليئة بالتجارة الحرام والتكسب من الطرق غير المشروعة وتربية أبنائه على الحقد والتمايز والفرقة والأنانية، وجاء واعظه في منامه ليذكره بأعماله الأثمة وانشغاله عن تربية أبنائه.. تربية سوية خلقاً وديناً بمساعيه نحو كنز الأموال وتكوين الثروة.. حيث ذكره رفيقة الراحل الشيخ بهنساوي بصوت مفزع: نصحت كثير يا مصطفى ولم تستجيب.. وأنا فارقتكم موجوعا بحالك .

مصطفي بصوت مجهد وخافت: شيخ بهنساوي الحقني أنا خائف ...خائف

بهنساوي: لقد نفذ سهم القدر...والقادم مؤلم لأبنائك.. هذا حصاد عملك.. أبشر فقد تركت لهم "ميراث الشر"

انهالت سيول الدموع على جبهتيه، وتلعثم بصوت مفزع وهو يرى أشباح على هيئة أبنائه وسط النيران تحترق بالأموال: ولادي ولادي...ثم نفد أمر الله.

اقرأ أيضا| «أحلام العصافير» قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي