سفير فلسطين بنيجيريا يكتب لـ«بوابة أخبار اليوم»: التطورات المأساوية في ظل غياب أفق سياسي

السفير عبد الله أبو شاويش
السفير عبد الله أبو شاويش

خصّ السفير عبد الله أبو شاويش، سفير فلسطين لدى  نيجيريا، بوابة أخبار اليوم، بمقالٍ منه تناول تطورات الأوضاع والأحداث الجارية في فلسطين بوجه عام، وقطاع غزة بوقع خاص، في ظل غياب أفق سياسي لحل الصراع إلى حد الآن.

وجاء المقال الذي كتبه السفير عبد الله أبو شاويش كالآتي:

التطورات المأساوية وتسارع الأحداث الدموية الجارية في فلسطين والتدمير الممنهح والمدعوم والممول غربيًا منذ 79 يومًا لغايات أبعد بكثير مما هو معلن عنه، وعلى رأسها تهجير الشعب الفلسطيني قاطبة وليس قاطني غزة فقط، فرضت نفسها بقوة على الساحة العالمية من خلال نقاشات حادة بين أنصار الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، نقاشات هيمنت بشدة على كافة وسائل الإعلام العالمية وبينت بشكل لا لبس فيه أن غياب المعرفة والخلفية التاريخية عند الكثيرين هو العامل المهيمن على هذه الحوارات، وذلك كان واضحًا من خلال السؤال، لماذا حدث هذا، أي 7 أكتوبر؟

الجواب القصير والموجز هو الاحتلال وغياب عملية سلام حقيقية، جواب يثير سؤالًا آخر، على من يقع اللوم في غياب عملية السلام هذه؟

 من وجهة نظر أي متعمق وعارف ومعلق سياسي عقلاني ومحايد، فإن اللوم كله يقع على إسرائيل وهذا مردة لعدة أسباب نورد أبرزها على النحو التالي:

مع توقيع اتفاقية أوسلو بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات عملية سلام حقيقية، تهدف الى اقامة الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينة المحتلة منذ العام 1967، والتي تشكل 22% فقط من ارض فلسطين التاريخية، على ان تكون القدس الشرقية المحتلة عاصمة للدولة الوليدة، بالاضافة الى حل عادل لقضية الاجئين الفلسطينين يستند على اساس القرار 194 الذي تم تبنية بتاريخ 11 ديسمبر 1948.

نحن لا نخترع العجلة من جديد عندما نتحدث عن حل الدولتين، فهو حل منصوص عليه منذ العام 1947 في قرار الأمم المتحدة 181 والمسمى قرار تقسيم فلسطين، وهو شهادة الميلاد الرسمية لدولتين توأمين سياميين كان يفترض أن يولدا بنفس اللحظة. واحدة منها ولدت وتجسدت بالفعل وهي دولة إسرائيل، والأخرى في مخاض عسير منذ 75 عامًا، ولم تولد بعد ألا وهي دولة فلسطين. مرة أخرى القرار 181 أو حل الدولتين ليس اختراعًا جديدًا على الإطلاق وإنما غياب الإرادة الدولية جعلها عملية ولادة غير مكتملة.

لم تتوقف إسرائيل ومنذ اليوم الأول لولادتها عن وضع العراقيل أمام حل الدولتين، وذلك برفضها تنفيذ قرار الجمعة العامة 181، وكذلك القرار 194 والداعي لعودة اللاجئين الفلسطينين الذين تم طردهم من وطنهم القديم، وبالتالي رسخت وعمقت حالة اللجوء للفلسطينين في مختلف دول الشتات. مما زاد الطين بلة أن إسرائيل قامت باحتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية في السادس من يونيو من العام 1967، وكذلك شبة جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية.

إلى جانب العديد من العقبات أمام تنفيذ حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية على 22% من أرض فلسطين التاريخية، فإن إسرائيل لم تتوقف عن بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية منذ الأيام الأولى للاحتلال. الاستيطان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية مثل الحلال والحرام لا يجتمعان أبدًا. حل الدولتين يعني بشكل مبدئي وقاطع تفكيك المستوطنات الإسرائيلية، والتي تمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، والانسحاب الكلي غلى حدود 1967. حتى الدول الغربية والتي تدعم إسرائيل بشكل أعمى ومطلق وغير قابل للنقاش، تعترف أن المستوطنات غير قانونية وتشكل عقبة في طريق السلام وتطبيق حل الدولتين.

بحسب الأمم المتحدة فإن المشاريع الاستيطانية بدأت في الأسبوع الأول من احتلال القدس الشرقية عام 1967، عندما هدمت إسرائيل 160 منزلًا هي منازل وبيوت حي المغاربة في القدس القديمة، والمقابلة تمامًا للحائط الغربي للمسجد الأقصى، والمعروف أيضًا بحائط البراق، وكذلك مصادرة 600 مبنى اخر وتهجير 5500 من السكان الاصليين للقدس القديمة.

وفقًا لمنظمة "السلام الآن"، وهي منظمة اسرائيلية غير حكومية، فإنه وفي الوقت الذي تم فيه توقيع اتفاق أوسلو 1993 كان هناك ما يقرب من 250 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، يعيشون في 140 مستوطنة، أما اليوم فإن هذا العدد ارتفع إلى 7000 ألف مستوطن يعيشون في 300 مستوطنة، وهذا يعني أن هناك زيادة بنسبة 280% في عدد المستوطنين و210% في عدد المستوطنات.

بالنظر إلى الأرقام المذكورة أعلاه فإنه يمكن القول وبكل ثقة أن أي من حكومات إسرائيل المتعاقبة خلال الأعوام الثلاثين الماضية، لم يكن لديها النية أبدًا لوضع حد للاحتلال، وقد نجحت جميعها بخلق وتعزيز واقع الدولة الواحدة القائمة على الفصل العنصري والابارتهايد، ومع الأيام يصبح من المستحيل العودة والانفكاك من هذا الواقع، مع ترك الفلسطينيين على طاولة المفاوضات بمحصلة صفرية في النهاية.

المستوطنات ليست العقبة الأخيرة أو الوحيدة أمام حل الدولتين، فمنذ اليوم الأول لتوليه منصبة كرئيس للوزراء وضع بنيامين نتنياهو شروطًا تعقيدية مسبقًا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ألا وهو الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، والقدس عاصمة أبدية للشعب اليهودي. الجزء المشبوه والغريب في هذا النقطة بالذات هو أنه عندما قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاقية أوسلو في العام 1993 وقع على نفس الاتفاقية بالمقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إسحق رابين باسم دولة إسرائيل وليس الدولة اليهودية، وعندما وقعت إسرائيل اتفاقيات السلام مع كل من مصر والأردن وقعتها أيضًا باسم دولة إسرائيل وليس الدولة اليهودية. وعندما وقعوا مؤخرًا على اتفاقيات تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، تم التوقع ايضا باسم حكومة إسرائيل وليس حكومة الشعب اليهودي أو الدولة اليهودية. فقط هم يصرون ويطالبون الفلسطينيين وحدهم على تغير اعترافهم القديم بهم "إسرائيل"، إلى الاعتراف بإسرائيل الدولة اليهودية. هم يعلمون أن هذا لا يمكن أن يحدث لأسباب منطقية ودواعي وطنية وتاريخية يطول الحديث عنها وشرح مضامينها. الطلب من الفلسطينيين الاعتراف بهم كدولة يهودية عصًا سميكة أخرى في عجلة السلام.

إذا اتفقنا جميعا؛ وهذا هو المنطق فعلًا، على أن إسرائيل هي المسؤول الأول والاخير عن إعاقة أي تقدم في جهود السلام وغيابه، أي السلام، عن الأرض المقدسة فإن هذا أيضًا يثير تساؤلًا آخر، ما العمل؟ ماذا يمكننا جميعًا أن نعمل من اجل السلام؟

أنتم جميعًا كمجتمع دولي، وقادة دينيين، وقادة سياسيين، ومؤثرين إجماعيين، وقادة مجتمع مدني، ومؤثرين على وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها، واعلاميين وصحفيين، وهيئات حكومية وشبة حكومية وغير ذلك الكثير جدًا من المؤسسات وحتى الأفراد البارزين، أقول أنتم جميعًا عليكم مسؤولية مشتركة، وكل منكم بإمكانه أن يكون مؤثرًا في تغير قواعد اللعبة.

 دعونا نتذكر هنا التضامن الذي أظهرناه جميعًا، وكذلك الأدوات العديد التي استخدمناها لتفكيك ووضع حد لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لقد كنا جميعا متحدين ومتكاثفين ونجحنا بالفعل في وضع حد لسياسة التفوق العرقي البغيضة للرجل الأبيض، ونظام الفصل العنصري، عندما كنا متحدين بالفعل استطعنا أن نعمل تغيرًا حقيقيًا. في هذه الايام المأساوية بالذات ينبغي لنا أن نستغل المذبحة المؤسفة الجارية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للعودة إلى طاولة المفاوضات، إسرائيل لن تعود طواعية، وغني عن القول أن هناك العديد من الأدوات الفعالة لا تزال بأيديكم والتي وباستخدامها يمكن إجبار دولة الاحتلال على العودة لطاولة المفاوضات.

إنه الوقت المناسب جدًا لدعوة؛ والضغط على الدول الغربية، للتوقف عن إعطاء إسرائيل قبة حديدية ضد أي مسائلة قانونية دولية، والتوقف عن تقدم الدعم القاطع وغير المشروط لها. إنه الوقت المناسب جدًا لوضع حد للنفاق والمعاير المزدوجة.

 أقول إنه قد حان الوقت للتوقف مرة وإلى الأبد عن التعامل مع إسرائيل باعتبارها الدولة فوق القانون الدولي مع حصانة تامة وإفلات دائم من العقاب على انتهاكاتها الجسمية للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

دعونا نضيء بدماء آلاف الضحايا الأبرياء الطريق نحو أفق سياسي حقيقي ينهي هذا الألم المستمر. باختصار هذا يمكن ان يتحقق بالتوقف عن التعامل مع إسرائيل على أنها الولد المراهق والمدلل والغاضب.