فى الصميم

القوة الرشيدة والعمل الوطنى كيف نبنى.. وكيف نحمى البناء؟

جلال عارف
جلال عارف

فوتت علينا الظروف المصاحبة للحرب الدائرة على حدودنا مع فلسطين الغالية فرصة لتنشيط العمل الحزبى فى ظل المنافسة المفترضة فى انتخابات الرئاسة..

ومع ذلك تظل تلك هى المعضلة الأساسية التى ينبغى علينا التعامل معها بجدية لكى نؤسس لنظام سياسى قادر على بناء الدولة الحديثة رغم كل التحديات التى نواجهها..

وما أكثرها فى هذه الفترة من الاضطراب العالمى الذى يترجم نفسه فى منطقتنا بأوضاع لاشك أنها تهدد أمننا الوطنى بصورة تفرض علينا أن نكون مستعدين لمواجهة كل السيناريوهات.. مع إدراك كامل بأن كل السيناريوهات لا تخلو من خطورة!

فى عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وأمام عدو لا يعرف إلا لغة القوة الجاهلة لفرض أمر واقع يناسب أوهامه المجنونة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم وبالتصفية النهائية لقضيتهم العادلة..

أمام هذا وذاك تبدو أهمية ما بنيناه من قوة عسكرية رادعة لكل عدو، وقادرة على حماية الأرض وتأمين كل ما نحققه على طريق بناء الدولة الحديثة بهذه «القوة الرشيدة» التى تعرف أن مصر ستظل هدفا لتآمر الأعداء ولهوس التطرف الصهيونى الذى يحظى -للأسف الشديد- بدعم قوى عظمى لا تتوقف عن الادعاء بأنها تحمى حرية الشعوب وحقوق الإنسان، ثم تفاجئ العالم بأن تكون شريكة فى المذبحة الصهيونية النازية التى تقوم بها إسرائيل ضد شعب فلسطين والتى تهدد بانفجار الأوضاع فى المنطقة كلها!!

ولعلنا أيضا ندرك جميعا أهمية قوتنا العسكرية الرشيدة مع وجود جبهات مشتعلة أو غير مستقرة على كافة حدودنا وليس فقط على حدودنا الشمالية الشرقية التى يستمر فيها العدوان الإسرائيلى الهمجى منذ شهرين بدعم ومشاركة من الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا وغيرهما من الحلفاء. فلا ينبغى أن ننسى الوضع الخطير فى السودان الشقيق وما تتحمله مصر من مسئوليات تجاهه.

كما لا ينبغى أن ننسى أيضا أن الشقيقة ليبيا على حدودنا الغربية مازالت تبحث عن استعادة دولتها الموحدة، وعن تطهير أرضها من الميليشيات والمرتزقة، ومازالت تعيش آثار المأساة التى جاءت مع استباحة قوات حلف الأطلنطى للدولة العربية الشقيقة فى جريمة لم يحاسب مرتكبوها حتى الآن.

فى ظل كل هذه المخاطر يصبح امتلاكنا للقوة العسكرية الرشيدة القادرة على حماية الوطن وتأمين حدوده مسألة حياة أو موت، ويبدو تطوير صناعاتنا العسكرية أمرا حيويا للغاية بعد أن جربنا كيف منعوا عنا ذات يوم قريب السلاح المطلوب لمواجهة إرهاب أرادوا له أن يسيطر على المنطقة العربية، واعتبروا أن مفتاح ذلك هو الاستيلاء على مصر الذى اعتبروه جائزتهم الكبرى. وعندما اسقطت مصر هذا المشروع وكشفت المتآمرين فيه فإنهم لم يستسلموا بل حاولوا العبث بأمن مصر وإيجاد بؤرة للإرهاب فى سيناء العزيزة.

ولم يكن القضاء على كل ذلك سهلا، ولكن مصر حققته بوحدة شعبها ودماء شهدائها وتضحيات قوتها المسلحة الرشيدة والقادرة دوما على ردع كل عدو، وضرب كل متآمر، والدفاع عن كل شبر من أرض الوطن.

الوجه الآخر لـ «القوة الرشيدة» هو رعاية مصالحنا وحماية ما نبنيه على أرض الوطن، وتزداد الحاجة لذلك مع زيادة الحاجة لمضاعفة الجهد من أجل تطوير اقتصادنا والاستغلال الأمثل لمواردنا ومضاعفة انتاجنا «وخاصة فى الصناعة» لكى نستطيع الخروج من الأزمة الاقتصادية الطارئة فى أسرع وقت، وهو أمر يقتضى التركيز على دعم الصناعة الوطنية وتقديم كل التسهيلات اللازمة لكى تسد حاجة السوق المحلى بقدر المستطاع، وتقلص فواتير الاستيراد التى أثقلت كاهلنا، ثم لتتضاعف صادراتنا من مصنوعاتنا القادرة على المنافسة فى كل أسواق العالم.

وبجانب ذلك لدينا مهام داخلية كبرى لعل اصلاح التعليم بصورة جذرية هو فى مقدمة هذه المهام فى عالم تتطور فيه المعرفة بصورة غير مسبوقة.

وبالإضافة إلى ذلك هناك ملفات الصحة والتوسع العمرانى والزراعى التى فتحناها بالفعل وتحتاج للاستمرار والدعم. وكل هذه المهام لابد أن تتم مع امتلاك القوة الرشيدة التى تحميها وتوفر الأمان والاستقرار اللازمين للمضى فى البناء والاستثمار والتوسع فى التعمير كما فعلنا فى سيناء بعد أن استأصلنا جذور الإرهاب من أرضها الطيبة وبعد أن وضعنا الخطوط الحمراء التى يعرف كل عدو ما سيلقاه إذا تجاوزها.

ويبقى الجانب الآخر لقوة مصر الرشيدة الذى نحتاج التركيز عليه فى الفترة القادمة وهو الذى يتعلق بانفتاح المجال السياسى على أسس سليمة تبدأ بنشر ثقافة الديموقراطية والمواطنة، وتمتد لكى نبنى أحزابا حقيقية تمثل كل القوى المؤمنة بمدنية الدولة وبحقوق المواطنة مع استبعاد كل من مارس الإرهاب أو شارك فى إفساد الحياة السياسية.

فلنبن مصر -كما قال جدنا العظيم رفاعة الطهطاوى- بالمدرسة والمصنع، ولنحصنها بالقوة العسكرية الرشيدة وبالديموقراطية التى تدعم بناء الدولة المدنية الحديثة، وبالعدل الذى يجعل الجميع شركاء فى التنمية والإنتاج.. وشركاء أيضا فى ثمار التنمية وعوائد الإنتاج.

الظروف صعبة والمخاطر عديدة، لكن الطريق واضح.. لن نترك شيئا يعطل جهودنا لبناء الدولة الحديثة، ولن يوقفنا شيء عن الاستمرار فى التنمية، ولن نسمح لأى قوة على الأرض أن تمس حدودنا. نعرف حجم المخاطر ونملك القوة الرشيدة التى تحمى وتردع كل من يفكر فى تجاوز الخطوط الحمراء!