«البدايات».. رؤية وفلسفة جديدة لكنها افتقدت للمعايير

"البدايات".. رؤية وفلسفة جديدة، لكنها افتقدت للمعايير
"البدايات".. رؤية وفلسفة جديدة، لكنها افتقدت للمعايير

◄ فكرة المعرض تستحق الإشادة، لكنها كانت فى حاجة للدراسة والتأنى 

انطلق معرض "البدايات" فى دورته الأولى بقصر الفنون من 5 نوفمبر 2023، وكعادة قطاع الفنون التشكيلية يفاجئنا دائمًا بمثل هذه المعارض والملتقيات دون تقديم إعلامى أو سابق تعريف سوى للمنظمين والمشاركين فقط، وهذا ليس وليد الصدفة لكنه دائمًا يتكرر فى كثير من الملتقيات التى تنطلق لأول مرة، ولو عدنا قليلًا لوجدنا أن معرض "سكتش" الذى افتتحت دورته الأولى خلال شهر سبتمبر 2023 فى بداية الموسم الفنى الجديد لقاعة أفق بمتحف محمود خليل وحرمه، وافتتحته د. نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة .. أيضًا لم ينجح قطاع الفنون التشكيلية فى التقديم له كحدث فنى جديد ينظم لأول مرة..، فهناك أسس وقواعد منطقية يجب أن تتبع فى مثل هذه الفاعليات كى نضمن لها النجاح والاستمرارية  إن أردنا..، لأنه فى كثير من الأحيان لا يكتب الاستمرار لفاعليات كثيرة وتغتال عقب دورتها الأولى، ومع تغيير المسئول نرى فاعليات جديدة بمنهج وفكر جديدان .. وهكذا الحال باستثناء صالون الشباب والمعرض العام اللذان كتبا لهما الاستمرار حتى الان، لكن بالتأكيد فى حاجة ملحة للتطوير.

 

وبالعودة إلى معرض "البدايات" .. فكرة المعرض تستحق كل الثناء والشكر من قطاع الفنون التشكيلية، لكنها كانت فى حاجة للدراسة والتأنى قبل الانطلاق، ومن ثم تنظيم مؤتمر صحفى لطرح الأسباب والأهداف قبل إقامة المعرض بوقت كاف، لأن هذا بالتأكيد سيعود بالنفع على الحدث وعلى المشاركين، ولن يفاجأ الوسط التشكيلى بانطلاق الفاعلية عبر مواقع التواصل الاجتماعى دون تمهيد!!

الشروط والمعايير

أسئلة كثيرة مازالت فى حاجة لإجابات؟ .. منها: ماهى الأسس والمعاييروالشروط التى تم على أساسها اختيار الفنانين المشاركين دون غيرهم، وهل شكلت لجنة متخصصة للإختيار؟ ومن هم أعضاء اللجنة إن وجدت؟ .. وبتأمل الأعمال المعروضة وتواريخ انتاجها سنجد هناك تفاوت من فنان لآخر .. فهذا فنان قدم أعمال تعتبر بداياته الفعلية مثل مشاريع التخرج التى عرضت للبعض مثل الفنان طاهر عبد العظيم، لكن على الجانب الآخر هناك أعمال اختارها صاحبها عقب ارسال دعوة للمشاركة دون أن تكون هى بداياته الحقيقية، وهذا أحدث خلل فى هدف وفلسفة المعرض، وهناك فنانين تم عرض أكثر من عمل لهم مع تفاوت تاريخ انتاج كل عمل، فعلى سبيل المثال فنان واحد تم عرض له 4 أعمال منها على سبيل المثال عمل انتاج عام 1977، وعمل ثانى انتاج عام 1992.. مثلما شاهت فى أعمال النحات القدير السيد عبده سليم،.. ولا أعرف ماهو السبب فى هذا الخلل ولماذا لم نلتزم بالبدايات فقط كما هو معلن من القائمين على العرض!؟

 

وهناك ملحوظة أخرى كانت تحتاج للتعميم ..، فقد شاهدت عمل الفنان عبد الوهاب عبد المحسن دون بجانبه معلومة عن توقيت انتاجه وتفاصيله تتعلق بآخر سنة دراسية للفنان بالكلية، ومن ثم شرح مبسط للعمل ودوافعه.. والحقيقة هذا أضاف ثقل للعمل يحتاجها المتخصص والمتلقى بشكل عام  فى تلك الفاعلية الجديدة، وياحبذا لو تم تنفيذها وتعميمها على جميع الأعمال المعروضة..، أو مراعاة ذلك فى الدورات القادمة ان كتب للفاعلية الاستمرار..، والسؤال المتكرر دائمًا .. أين كتالوج المعرض؟ وأين المادة الخاصة بالصحفيين؟ للأسف بحثت عنها وكان الرد لا يوجد هذا ولا ذاك!! وكنت أتمنى أن يكون هناك كتالوج يوم الافتتاح فى حدث مهم كهذا .. والحقيقة لو كتب للكتالوج الظهور فى نهاية المعرض سيكون قد فقد الكثير من قيمته.

خلل فى طريقة العرض

لا شك اننى استمتعت وأنا أتجول بين أعمال الرواد أمثال: يوسف كامل، راغب عياد، الحسين فوزى، أحمد عثمان، مرجريت نخلة، حسنى البنانى، محمد صبرى، عبد الهادى الجزار، السجينى .. وغيرهم من القامات الفنية التى من الضرورى أن تشاهد أعمالهم الأجيال المختلفة، فهى مدارس تحتاج إلى التأمل والتمعن فى أساليبهم وأدواتهم، وهذا فى حاجة لمقالات أخرى عديدة..، وأيضًا جيل الوسط والجيل المعاصر قدما أعمال جيدة ..، لكن الحقيقة طريقة العرض بها خلل واضح فى أحجام الأعمال وطرق عرضها، فقد شعرت اننى فى صالون الشباب أو فى معرض جماعى.،  فإن لم تتوفر أعمال بحجم كبير للرواد، فكان من الأفضل وضع أكثر من عمل فى مساحة مناسبة واضحة تعتمد على الخصوصية فى العرض عن طريق ترك مسافات وفراغات واضحة بين كل فنان حتى لو على حساب تأجيل بعض الأسماء لدورات أخرى.. مع وضع ملصق أو ورقة صغيرة مصاحبة مع نبذة صغيرة .. إضافة إلى وضع تاريخ إنتاج الأعمال كى يتضح لنا بدايات هذا الفنان .. فهناك قامات بداياتها كانت قبل التخرج، وهناك فنانين بداياتهم بعد التخرج وربما بسنوات..، وهناك غياب عليه علامات استفهام لبعض الرموز لا أعرف أسبابه ودوافعه، مثل الفنان محمد حازم فتح الله، ويحيي عبده .. فربما سقطت تلك الأسماء بنفس الطريقة التى سقطت من المعرض السابق "سكتش"،.. وعلى العكس تمامًا تواجدت تجارب بعيدة عن فلسفة وفكرة المعرض المحددة .. ولا تستحق الرصد اذا كان الهدف بالفعل إلقاء الضوء على التجارب المؤثرة.

المعرض كان فى حاجة إلى عدة ندوات مصاحبة من كبار المتخصصين يعلن عنها مع افتتاح المعرض وليس فى نهايته..، ولا نكتفى بالإعلان عنها عبر مواقع التواصل قبل عقدها بـ 48 ساعة فقط!! ..  كنا فى حاجة إلى ندوة عن فن النحت يتحدث فيها كبار النحاتين ويتم عرض الأعمال على شاشة كبيرة أثناء المناقشة، وندوات أخرى عن التصوير والجرافيك والخزف يتحدث فيها المتخصصون والنقاد ويتم تسجيل تلك الحلقات وبثها عبر صفحة قطاع الفنون التشكيلية كى تعم الفائدة على الجميع، ولا يمر حدث كهذا بعد كل هذا الجهد فى جمع الأعمال مرور الكرام دون تحقيق أكبر منفعة للوسط التشكيلى.

أجيال مختلفة

  ولتوضيح بعض النقاط التقيت د. على سعيد مدير إدارة المعارض بقطاع الفنون التشكيلية والقوميسير المسئول عن معرض البدايات ليوضح لنا بعض الأمور .. حيث أفاد أن المعرض ليس مخصص لفئة معينة لكنها فكرة لعرض تجارب أجيال مختلفة، وعن اختيار الأسماء التى عرضت فى هذه الدورة دون غيرها .. قال: لم تكن هناك قاعدة أو أسس لاختيارهم سوى أن لهم بدايات من وجهة نظرى تستحق إلقاء الضوء .. علمًا انه تم اختيار أسماء بعينها وتم تأجيل أسماء أخرى كثيرة ..، وربما نجد فنانين فى الدورة القادمة عرضت فى هذه الدورة لكن لهم بدايات أخرى تستحق القاء الضوء مثل الفنان أحمد نوار والرزاز وأخرين، ولضمان دورات أخرى قوية تم تأجيل عرض بدايات محمود سعيد ومحمود مختار وسيف وأدهم وانلى .. وأخرين.

وأضاف: ان هذه الدورة دورة تدريبية، لم نضع معايير محددة للاختيار، وقد تم ارسال دعوات كثيرة لفناين للمشاركة ولم يلبوا الدعوة، والحقيقة من الصعب ارضاء جموع الفنانين .. وأيضًا صعب جدًا أن يعرض الجميع فى تجربة أولى، وعن الدورة الثانية .. قال ان د. وليد قانوش رئيس القطاع طلب منى ارسال دعوات النسخة الثانية من (البدايات) عقب انتهاء المعرض الحالى مباشرة ..، 

ولا أخفى عنك سرًا ان هناك فنانين أرسلوا لى أعمال أكثر من المطلوب وطلبوا عرضها، وهذا تطلب جرأة منى فى استبعاد تلك الأعمال التى لم تسعفنا المساحة لعرضها، وهناك من تفهم ذلك وهناك من اعترض..، والحقيقة اننى استفدت كثيرًا من هذه الدورة بإيجابياتها وسلبياتها .. وأعد الجميع بتقديم دورة جديدة تحقق كل المتطلبات لو قدر لى الاستمرار.

وأنا بدورى أشكر د. على سعيد على هذه الصراحة فى إلقاء الضوء على بعض النقاط المثارة فى الوسط التشكيلى، وننتظر منه الكثير فى الفترة القادمة.