عاجل

خواطر الإمام الشعراوي .. «كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ»

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يبدأ الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 216 من سورة البقرة حول قوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» بقوله: إن كراهية القتال هى قضية فطرية يقولها الذى خلق الإنسان فهو سبحانه لا يعالج الأمر علاجا سوفسطائيا، بمعنى أن يقول: وماذا فى القتال؟ لا، إن الخالق يقول: أعلم أن القتال مكروه. وحتى إذا ما أصابك فيه ما تكره فأنت قد علمت أن الذى شرعه يُقدر ذلك.

ولو لم يقل الحق إن القتال كره: لفهم الناس أن الله يصور لهم الأمر العسير يسيرا. إن الله عز وجل يقول للذين آمنوا: اعلموا أنكم مقبلون على مشقات، وعلى متاعب، وعلى أن تتركوا أموالكم، وعلى أن تتركوا لذتكم وتمتعكم. ولذلك نجد كبار الساسة الذين برعوا فى السياسة ونجحوا فى قيادة مجتمعاتهم كانوا لا يحبون لشعوبهم أن تخوض المعارك إلا مضطرين، فإذا ما اضطروا فهم يوضحون لجندهم أنهم يدرأون بالقتال ما هو أكثر شرًا من القتال، ومعنى ذلك أنهم يعبئون النفس الإنسانية حتى تواجه الموقف بجماع قواها، وبجميع ملكاتها، وكل إرادتها.

والحق سبحانه وتعالى يقول: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ» إنه سبحانه يقول لنا: أعلم أن القتال كره لكم ولكن أردت أن أشيع فيكم قضية، هذه القضية هى ألا تحكموا فى القضايا الكبيرة فى حدود علمكم؛ لأن علمكم دائما ناقص، بل خذوا القضايا من خلال علمى أنا؛ لأننى قد أشرع مكروها، ولكن يأتى منه الخير. وقد تَرَون حبا فى شيء ويأتى منه الشر.

ولذلك ينبهنا الحق إلى أن كثيرًا من الأمور المحبوبة عندنا يأتى منها الشر، فيقول الواحد منا: (كنت أتوقع الخير من هذا الأمر، لكن الشر هو ما جاءنى منه).

وهناك أمور أخرى نظن أن الشر يأتى منها، لكنها تأتى بالخير. ولذلك يترك الحق فلتات فى المجتمع حتى يتأكد الناس أن الله سبحانه وتعالى لا يُجرى أمور الخير على مقتضيات ومقاييس علم العباد، إنما يُجرى الحكم على مقتضى ومقاييس وعلم رب العباد. ولننظر إلى ما رواه الحق مثلا للناس على ذلك: «وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فاتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غداءنا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أوينا إِلَى الصخرة فَإِنِّى نَسِيتُ الحوت وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر عَجَبًا قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصًا» «الكهف: 60-64».

إن موسى عليه السلام يسير مع فتاه إلى مجمع البحرين، ويقال: إنه ملتقى بحرين فى جهة المشرق، وكان معهما طعام هو حوت مملوح يأكلان منه، لكن السفر والمشقة أنساهما الحوت وانطلق الحوت بآية من الله إلى البحر، وعندما وصل موسى إلى مجمع البحرين طلب من فتاه أن يأتى بالطعام بعد طول التعب، لكن الفتى يقول لموسى: إنه نسى الحوت، ولم ينسه إياه إلا الشيطان. وإن الحوت اتخذ طريقه إلى البحر.

فقال موسى: إن هذا ما كنا نطلبه علامة على وصولنا إلى غايتنا وهى مجمع البحرين، أى أمر الحوت وفقده هو الذى نطلب، فإن الرجل الذى جئنا من أجله هناك فى هذا المكان، وارتد موسى والغلام على آثارهما مرة أخرى.

فما الذى يحدث؟ يلتقى موسى عليه السلام بالعبد الصالح الخضر، وهو ولى من أولياء الله، علمه الله العلم الربانى الذى يهبه الله لعباده المتقين كثمرة للإخلاص والتقوى. ويطلب موسى عليه السلام من العبد الربانى سيدنا الخضر عليه السلام أن يتعلم منه بعض الرشد. لكن العبد الربانى الذى وهبه الله من العلم ما يفوق استيعاب القدرة البشرية يقول لموسى عليه السلام: «قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» «الكهف: 67-68».