حرب غزة فضحت «العنصرية»| شبابنا يتخلى عن حلم الهجرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتبت: علا نافع

مع اندلاع الحرب على غزة واستهداف المدنيين العزل بكافة الأسلحة حتى المحرمة منها فى ظل صمت دولي، بل إن دولا غربية أعلنت دعمها للمحتل الإسرائيلى فى قتله للأبرياء، لم تعد لقوانين حقوق الإنسان التى وضعتها تلك الدول أى مصداقية، خصوصا دول أوروبا وأمريكا التى منعت التظاهر والتعبير عن رفض الضمير الإنسانى لقتل الأبرياء فى غزة.

◄ حكومات الدول الغربية وإعلامه تؤجج رفض الشباب للهجرة

◄ فرنسا تحظر مظاهرات تأييد الفلسطينيين ولندن تفضها بالقوة

وقد اعتبرت الدول الأوروبية أن التظاهر تأييدا للفلسطينين جريمة عقوبتها السجن أو غرامة مالية كبرى، حيث قررت فرنسا حظر التظاهرات المؤيدة لفلسطين تحسبًا لإضرابات فى النظام العام، وكذلك إنجلترا تقمعها بالقوة، والأدهى أن حمل علم فلسطين جريمة أخرى قد تُعرِّض المهاجرين للترحيل إلى بلادهم، ليتبدد داخل أغلب الشباب المصرى حلم الهجرة إلى مثل هذه البلدان والعيش بها، فقد خف التزاحم على مراكب الهجرة غير الشرعية، وأصبح الشباب يفضلون العيش ببلادهم المتواضعة على العيش بين أناس ينظرون لهم باعتبارهم مواطنين درجة عاشرة ويمارسون عليهم تمييزًا عنصريًا.

جاءت حرب غزة لتفضح ازدواجية معايير الغرب وقيمه الزجاجية، فبات الشاب يرغب فى العيش عزيزًا بين أهله الفقراء على أن يعيش ذليلًا فى بلاد الضباب الثرية، خاصة بعد أن أتت حملات تشجيع المنتجات والمشروعات المحلية ثمارها.

والغريب أن مكاتب الهجرة كانت تتلقى آلاف الطلبات كل شهر، لكن قل عددها منذ منتصف أكتوبر الماضى بحسب تصريح بعض العاملين فيها، فالكثير من طلبات الهجرة تأثر بأحداث غزة، وغالبية طالبى الهجرة كانوا يعتقدون أن الحياة فى دول الهجرة أشبه بالجنة فسوف يعاملون باحترام وينعمون بحرية كاملة، إلا أن آراءهم تتبخر يوميًا مع تصاعد وتيرة الأحداث فى غزة.

◄ حكومات عنصرية
يقول محمود سعيد (29 عامًا): تولد بداخلى حلم الهجرة بعد تخرجى فى الجامعة، خصوصا فى ظل زيادة معدل البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة، إذ فشلت فى العثور على عمل مناسب ويومًا تلو الآخر كانت تحاصرنى أمنية العيش فى دولة أوروبية، خاصة أن بعض أصدقائى حالفهم الحظ فى الاستقرار بإحدى هذه الدول، وكانوا دومًا يتحدثون عن رغد العيش فيها، ما جعلنى أتردد على مكاتب الهجرة والسفارات المختلفة طوال خمس سنوات، لكننى فشلت فى الحصول على تأشيرة الهجرة، مشيرًا إلى أن سفارة هذه الدولة كانت تضع شروطًا صعبة لهجرة العرب والمسلمين بشكل خاص، ما يؤكد عنصريتها الشديدة.

ويضيف: جاءت أحداث غزة المستمرة منذ أكثر من أربعين يومًا لتؤكد تلك العنصرية، فالعالم صمت عن جرائم الاحتلال المستمرة رغم تصديه لاعتداء روسيا على أوكرانيا وفرضه عقوبات اقتصادية على موسكو مع تقديم الدعم العسكرى والإنسانى لأوكرانيا، وهذا يظهر التباين فى معايير تطبيق مبادئ حقوق الإنسان ويفضح ادعاءات الغرب وشعاراته الكاذبة التى يتغنى بها فى إعلامه وقنواته الرسمية، مؤكدًا أن هذا جعله يقلع عن فكرة الهجرة ويستبدلها بافتتاح مشروعه الخاص بتصنيع الأثاث المنزلى.

أما عبدالرحمن سيد (25 عامًا)، فيرى أن دول أوروبا وأمريكا تكيل بمكيالين فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة، والدليل أنها تسخِّر إعلامها ومواقع التواصل الاجتماعى لتزييف الحقائق التاريخية عن القضية الفلسطينية، فضلًا عن تصوير المقاومة بأنها حركة إرهابية، ولا شك أن موقف تلك الدول المتخاذل يجعل الشباب الراغب بالعيش فيها متخوفا وفاقد الثقة فى قوانين حريتها المزعومة، مضيفًا أن هناك بعض المدافعين عن القضية الفلسطينية يواجهون تضييقًا وتحكمات واهية من قبل حكومات تلك البلاد خاصة فى أعمالهم الحكومية.

ويشير إلى أنه قدم فى قرعة الهجرة لأمريكا لكنه تخلى عن تلك الخطوة بعدما لاحظ التأييد اللامتناهى من بلاد العم سام للكيان المحتل، قائلًا: بعد تخرجى فى كلية التجارة كان صعبًا أن أجد عملًا مناسبًا لى وهذا ما جعلنى أفكر فى الهجرة لأمريكا، وحاولت مرتين ولم أفقد الأمل لكننى تخليت عن هذا الحلم مؤخرًا بعد الأحداث الأخيرة فى غزة التى أظهرت فيها أمريكا دعمها المطلق لإسرائيل بالأسلحة والدعم الإعلامى، مؤكدًا أن بعض أصدقائه العرب الذين يعيشون هناك أكدوا له اضطهادهم فى أعمالهم الحكومية نظرًا لدعمهم القضية الفلسطينية الذى وصل لحد طردهم منها ناهيك عن الضرائب التى تخصم منهم لصالح دعم جيش الاحتلال.

◄ كابوس الهجرة
أما «جان. س»، موظف بأحد المكاتب القانونية المختصة بالهجرة، فيقول: لا شك أن العيش في الدول الأوروبية وأمريكا كان حلما يراود الكثير من الشباب وحتى العائلات، وهذا ما كان يجعلنا نستقبل آلاف الطلبات والاستشارات كل شهر وبالطبع كانت أمريكا وكندا على رأس الدول المرغوب فى الهجرة إليها، مشيرًا إلى أن الكثيرين الذين يحالفهم الحظ فى الهجرة كانوا يعانون فى بعض الأحيان من التمييز العنصرى نظرًا لكونهم عربا وجاءت حرب غزة لتؤكد عنصرية حكوماتهم والدليل على ذلك منع التظاهر أو التضييق على المظاهرات فى بعض الولايات فضلًا عن دعم الشركات الكبرى للكيان المحتل إما بالمال أو بالدعم الإعلامى.

ويضيف: رغم فتح أمريكا للهجرة منذ بداية أكتوبر الماضى حتى منتصف الشهر الجارى، فإن بعض الشباب ساورهم الخوف من التقديم بها وفضلوا دولا أوروبية إسكندنافية أعلنت دعمها لفلسطين ماليا مثل السويد والدنمارك فضلًا عن إسبانيا التى تبنت موقفًا محترمًا ضد الانتهاكات التى يتعرض لها أهل غزة من قبل إسرائيل.

من ناحية أخرى، يقول ناجى سميح (محام): كانت مراكب الهجرة غير الشرعية تغزو البحر المتوسط حاملة بداخلها آلاف الشباب الذين يعتقدون أن الغرب ينعم برفاهية اقتصادية واحترام لحقوق الفرد، وبالطبع فإن أغلبهم كان يدفع حياته ثمنا لتلك الأوهام، فبمجرد وصولهم يعانون التفرقة بينهم كعرب وبين جنسيات أخرى حتى فى الأجور وذلك من قبل الحكومة، أما المهاجرون عبر المكاتب القانونية بشكل شرعى فيعانون سنوات عدة حتى يستقروا ويحصلوا على أعمال مناسبة، ويحظر عليهم التعبير عن آرائهم فى القضايا الحيوية بحرية مثل قضية احتلال فلسطين والإبادة العرقية ببعض الدول العربية التى تمولها دول غربية.

ويتابع: عندما تواترت أحداث حرب غزة وتطرف الإعلام الغربى فى دعم المحتل بكافة الطرق فإن ذلك خلق فجوة وثقة بداخل الشباب الراغب فى الهجرة وتخوفهم من تقييد حريتهم وتعبيرهم عن آرائهم فيما بعد، ولا شك أن ذلك جعلهم يصرفون النظر أو يؤجلون فكرة السفر فى الوقت الحالى، مشيرًا إلى أنه رغم تعاطف الكثير من مواطنى تلك الدول مع الأبرياء فى غزة فإنه لاتزال كفة الحكومات والشركات الكبرى هى الراجحة.

◄ انعدام ثقة
ويلفت الدكتور أحمد هارون، أستاذ علم النفس: إلى أن دوافع الهجرة تختلف من شاب لآخر إلا أن أغلبها يكون بسبب الفقر والبطالة، وهناك من يفكر فى الهجرة اعتقادًا بأنه سينعم بجو من الحرية واحترام لحقوق المواطنة ويظل يحاول مرة وأكثر للنجاح فى محاولاته سواء الهجرة بشكل شرعى أو غير شرعى، خاصة أن حكومات تلك الدول تتشدق دائما باحترامها لحقوق الإنسان والحيوان أيضًا مما خلق بداخل الشباب المصرى تخيلات واهية عن تلك الادعاءات، ناهيك عن أن الإعلام والسينما الغربية ترسخ تلك الادعاءات وتصور بلادهم قطعة من الجنة يسودها جو من التفاهم واحتضان كافة الجنسيات.

يضيف: مع اندلاع الحرب فى غزة تبخرت كل تلك الادعاءات وأثبتت وهنها، فالحكومات الغربية لا تعترف بحق الشعب الفلسطينى فى المقاومة أو الدفاع عن أرضه وعرضه، فأدانتهم ومولت المحتل بكافة الأشكال بل منعت المظاهرات المؤيدة لوقف الحرب على غزة وقبضت على المتظاهرين وكذلك قامت بترحيل بعض المهاجرين العرب الذين أعلنوا موقفهم الرافض لذلك التخاذل.

ويشير إلى أن الموقف المؤيد للاحتلال من بعض مشاهير الفنانين واليوتيوبرز الغربيين خلق بداخل الشباب المصرى غضبًا ورفضًا عبروا عنه بالتوقف عن متابعتهم ومهاجمتهم كذلك تأجيل فكرة الهجرة أو حتى السفر كزائرين فشعروا بأن بلادهم أولى بهم وأن القشرة التى يضعها الغرب على وجوههم قشرة زائفة فضحتها حرب غزة. 

أما الدكتورة نهى جميل، أستاذة علم الاجتماع، فتقول: رغم أن المجتمع المصري يعانى بعض الضغوط الناتجة عن البطالة بسبب الظروف الاقتصادية، وهى الأسباب الرئيسية للهجرة بكافة أشكالها، فإن المجتمع الغربى حاليًا بات يعانى بسبب هذه المشكلات أيضًا، حيث تشير تقارير حديثة إلى أن البطالة وصلت لأعلى مستوياتها بسبب النزاعات العالمية، والأهم هو كبت الحريات وعدم التعبير عن الآراء بحيادية، والدليل على ذلك إعلان بلوجر مصرى فصله من عمله بفرنسا بسبب تنديده بالحرب على غزة ودعمه لفلسطين. فضلًا عن مهاجمة بعض مشاهير هوليوود للفنانة العالمية أنجلينا جولى التى طالبت بإيقاف الحرب على غزة حتى أن والدها وجه لها اللوم مدعيًا بأنها لم تقرأ المشهد جيدًا، وبالطبع فإن كل هذه المشاهد تهز ثقة الشاب العربى فى حلمه بالنعيم بدول أوروبا وتمتعه بجو من الحرية، لذا تأجلت فكرة الهجرة واستغنوا عنها بالعمل بالمصانع الوطنية أو حتى فتحهم مشروعات خاصة يدعمها أهل بلادهم.