رحيق السطور| جدتى وأمى وأنا

مواجهات مع التاريخ والتصورات الموروثة

كتاب "جدتي وأمي وأنا"
كتاب "جدتي وأمي وأنا"

تتعقب الباحثة الفلسطينية جين سعيد المقدسي حياة النساء العربيات، من خلال ثلاثة أجيال، وذلك فى كتابها «جدتى وأمي وأنا.. مذكرات ثلاثة أجيال من النساء». وقد عشن فى مدن عربية مختلفة فى لحظات تاريخية مشتعلة، ما بين فلسطين، ولبنان ومصر، تتجول ما بين تاريخها الشخصى وتاريخ والدتها وجدتها، فيما اعتبرته كتابة تقوم على الدراسة والمقارنة والتأمل، فى محاولة لما سمته «مواجهات مع التاريخ والنسوية والتصورات الموروثة عن المرأة العربية»، هذا الحس النسوى الذى التقطته المترجمة هالة كمال فى ترجمتها الواعية بما بين سطور النسخة الأصلية بالإنجليزية، والتى صدرت مؤخرًا عن المركز القومى للترجمة. 

تنشغل المؤلفة فى مقدمة النسخة العربية بمسألة «اللغة فى التاريخ»، فاختيارها للكتابة باللغة الإنجليزية له أبعاده، ومنها ما أشارت إليه «ومع أن حبى للغة العربية هو حب عميق وقوى، فإن استخدامى لها منقوص ومعيب، فالإنجليزية هى اللغة التى أكتب بها «اللغة الإنجليزية هى اللغة التى أحبتها، وارتبطت فى ذهنها بالآداب وبالكتابة، وهى التى عرفت اللغة العربية بلهجات مختلفة، بينما انشغلت فى مقدمة النسخة الأصلية المعنونة بـ«افتتاحية موسيقية» بفكرة التواصل والتفهم التى قادها إليها هذا الكتاب، فرغم أن محاولة الانعتاق من مصير والدتها، وجدتها، فإن الكتابة عن حياتهما مكنها من تفهم طبيعة تلك الحياة، وعدم انفصالها عن الواقع، رغم انغلاقهما داخل حياة أسرتيهما، واستوعبت بقراءة مذكرات والدتها، والتى حثتها على كتابتها، بعمق التواصل مع تاريخها، وكذلك تأملها لحياة جدتها، وقد وفر ذلك نوعا من التنوع فى أسالبيب السرد، ما بين السيرة الذاتية، وكتابة المذكرات، والحس الروائى.

تنطلق «جين» من حياتها الشخصية المعنونة بـ«فى زمانى أنا» فى ثمانية فصول، مستعرضة سيرتها منذ طفولتها، حيث ولدت في القدس فى أربعينيات القرن الماضي، وكانت البيوت ملكا للنساء مع حرمانهن من الفضاء الخارجى، ثم نشأتها بالقاهرة، حيث الحياة أكثر انفتاحا، مع تعدد منابع التعليم بين دينية وأجنبية، وكذلك تنوع مراكز الفنون، مع تأثير الأحداث التي مرت على حياتها، ثم دراستها بأمريكا قبل أن تستقر فى بيروت مركزة على علاقتها بجدتها وأمها، كأنها تقدم إعادة تقييم لطبيعتها، وتعيد النظر فى مآخذها على ما تقبلانه فى حياتهما.

فى خمسة فصول تحكى عن حياة جدتها تحت عنوان «جدتي في التاريخ»، والتى ولدت عام 1880 في قرية «الشوير» بلبنان، وأصولها الأجنبية وطبيعة حياة ومهن أهل المنطقة التي ولدت فيها، ثم «حمص» بسوريا، ثم «بيروت»، وعاصرت أحداثا مهمة فى تاريخ فلسطين منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وتأثير الهجرات اليهودية التي لم تنجح أن تفسد حياتها إلا بعد عام 1928، ولعل رحلات الانتقال، والترحال سمة لهذه العائلة، وهو ما نجده أيضا فى مذكرات الأم التي سردتها «جين» فى عشرة فصول، تحت عنوان «عالم أمى» تطرح من خلال مذكرات والدتها، وإن كان السرد عن الجدة قد طغى عليه التاريخ، والتحليل لدور الإرساليات، والتعليم الديني الكنسي، واختلافه عن التعليم المحلي، والانتقالات السياسية، فإن روح المذكرات الشخصية قد أثر في سردها عن أمها وبدت أكثر حميمية، وتعرضا للعلاقات الشخصية داخل العائلة، وأن لم تخل من التحليل التاريخى والسياسى.

المؤلفة هى أخت المفكر الفلسطينى «إدوار سعيد»، ودرست اللغة والأدب الإنجليزى، والعلوم الإنسانية فى الجامعة اللبنانية الأمريكية، وكان لها العديد من الأنشطة الموسيقية والمسرحية، وقامت بصياغة مسرحية لملحمة جلجامش، وهذا هو كتابها الثانى وقد صدر عام 2005، أما الأول فحمل عنوان «شتات بيروت: مذكرات الحرب» عام 1990، ولها العديد من الكتب التى قامت بتحريرها، والكتابات عن فلسطين والنسوية والسينما، وتجمع المؤلفة علاقة قوية بالمترجمة هالة كمال أستاذة الأدب الإنجليزى ودراسات «الجندر»، مما سمح لها بمراجعة الكتاب، وتحرى الدقة وصدور ترجمة مميزة.