عصير القلم

من أنتم بحق السماء؟!

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬وقف‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬أمام‭ ‬كاميرات‭ ‬التليفزيون‭ ‬وعدسات‭ ‬المصورين‭ ‬الصحفيين‭ ‬موجهًا‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬المسئولين‭ ‬الامريكان‭ ‬بلهجته‭ ‬الساخرة‭ ‬المعتادة‭ ‬قائلا‭ : ‬تقفون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الصحفية‭ ‬وانتم‭ ‬ترفعون‭ ‬أصابعكم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الجميع‭ ‬محذرين‭ ‬ومهددين‭ "‬لا‭ ‬تفعل‭ .. ‬لا‭ ‬تتكلم‭ ..‬لا‭ ‬تتنفس‭ .. ‬من‭ ‬انتم‭ ‬بحق‭ ‬السماء‭ .. ‬من‭ ‬منحكم‭ ‬الحق‭ ‬لتكونوا‭ ‬أوصياء‭ ‬على‭ ‬تصرفات‭ ‬البشر‭ .. ‬وفروا‭ ‬دروسكم‭ ‬الاخلاقية‭ ‬لأنفسكم‭ ‬فقد‭ ‬سقط‭ ‬قناعكم‭ ‬وأصبح‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬يدرك‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تأتي‭ ‬الشرور‭ ‬ومن‭ ‬يشعل‭ ‬الفتنة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭.‬

كلمات‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬وجدت‭ ‬صدى‭ ‬قويًا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬ما‭ ‬تتمنى‭ ‬معظم‭ ‬شعوب‭ ‬الارض‭ ‬أن‭ ‬تقوله‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الغطرسة‭ ‬الامريكية‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬المدى‭ ‬وتجاوزت‭ ‬كل‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬الازمة‭ ‬الراهنة‭ ‬بقطاع‭ ‬غزة‭.‬

كلنا‭ ‬نعلم‭ ‬جيدا‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية‭ ‬وطفلتها‭ ‬المدللة‭ ‬إسرائيل‭ ‬،‭ ‬وشاهدنا‭ ‬كم‭ ‬تدخلت‭ ‬امريكا‭ ‬لحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬هزائم‭ ‬عسكرية‭ ‬محققة‭ ‬وكم‭ ‬تدخلت‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قرارات‭ ‬إدانة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬منذ‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الانحياز‭ ‬الفاجر‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المزري‭ ‬لم‭ ‬يرتكبه‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬قبل‭ ‬بايدن‭.‬

كلهم‭ ‬كانوا‭ ‬يدعمون‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الجلسات‭ ‬المغلقة‭ ‬ولكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يحافظون‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬الاخيرة‭ ‬التي‭ ‬تسترهم‭ ‬أمام‭ ‬الشاشات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الصحفية‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بايدن‭ ‬وفريقه‭ ‬ألقوا‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬جانبًا‭ ‬ومارسوا‭ ‬رقصة‭ ‬الاستربتيز‭ ‬السياسي‭ ‬ببجاحة‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬اطلاق‭ ‬النار‭ ‬رغم‭ ‬المذابح‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يشاهدها‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬لأطفال‭ ‬ونساء‭ ‬غزة‭.‬

انكشفت‭ ‬السياسة‭ ‬الامريكية‭ ‬القذرة‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬وسقطت‭ ‬للابد‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يروجها‭ ‬الامريكان‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬باعتبارهم‭ ‬واحة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وراعية‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬،‭ ‬وثبت‭ ‬بالدليل‭ ‬القاطع‭ ‬انها‭ ‬لم‭ ‬تعبأ‭ ‬أبدا‭ ‬بحقوق‭ ‬أي‭ ‬انسان‭ ‬باستثناء‭ ‬الانسان‭ ‬الصهيوني‭ ‬أما‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬مجرد‭ ‬ارقام‭ ‬يرددها‭ ‬مذيعو‭ ‬النشرات‭ ‬الاخبارية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬ومصاب‭ ‬ومفقود‭ ‬ونازح‭.‬

الامريكان‭ ‬الذين‭ ‬يطالبون‭ ‬مختلف‭ ‬الانظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الارض‭ ‬بتطبيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واحترام‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وعدم‭ ‬قمع‭ ‬المظاهرات‭ ‬أطلقوا‭ ‬العنان‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬المظاهرات‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬وشاهدنا‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬أحصنة‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬وهي‭ ‬تخترق‭ ‬الحشود‭ ‬وهرواتهم‭ ‬الغليظة‭ ‬تهوي‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬المتظاهرين‭.‬

الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬حشدوا‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بكل‭ ‬إمكانياته‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬لتأديب‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬خدش‭ ‬وجه‭ ‬اوكرانيا‭ ‬بمخلبه‭ ‬يباركون‭ ‬المجازر‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الجيش‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بالاسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وفي‭ ‬حماية‭ ‬حاملات‭ ‬طائراتهم‭ ‬التي‭ ‬حركوها‭ ‬الى‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬ككارت‭ ‬ارهاب‭ ‬لأي‭ ‬قوى‭ ‬اقليمية‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

المسرح‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬ابدا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبلها،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فقدت‭ ‬رصيدها‭ ‬بالكامل‭ ‬لدى‭ ‬حكومات‭ ‬وشعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تصلح‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬النزيه‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واسرائيل‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تصلح‭ ‬لتكون‭ ‬الحماية‭ ‬والدعم‭ ‬لاي‭ ‬نظام‭ ‬حاكم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غدروا‭ ‬بكل‭ ‬حلفائهم‭ ‬واحدا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ..‬ولنا‭ ‬العبرة‭ ‬والعظة‭ ‬فيما‭ ‬فعلوه‭ ‬بصدام‭ ‬حسين‭.‬

اعتقد‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬ستشهد‭ ‬دورًا‭ ‬أكبر‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬فراغها‭ ‬من‭ ‬المستنقع‭ ‬الاوكراني‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬وشيكًا‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬سيكون‭ ‬التنين‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬أيضا‭ ‬بعد‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬أبرمها‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الاقليمية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬ايران‭ ‬والسعودية‭.‬

الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬أبدًا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬وليحفظنا‭ ‬الرب‭ ‬ويحفظ‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬الشرور‭ ‬والمكائد‭.‬


 

;