..وقف الرئيس الروسي بوتين أمام كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين الصحفيين موجهًا رسالته إلى المسئولين الامريكان بلهجته الساخرة المعتادة قائلا : تقفون في كل المؤتمرات الصحفية وانتم ترفعون أصابعكم في وجه الجميع محذرين ومهددين "لا تفعل .. لا تتكلم ..لا تتنفس .. من انتم بحق السماء .. من منحكم الحق لتكونوا أوصياء على تصرفات البشر .. وفروا دروسكم الاخلاقية لأنفسكم فقد سقط قناعكم وأصبح العالم أجمع يدرك من أين تأتي الشرور ومن يشعل الفتنة في شتى بقاع الأرض.
كلمات الرئيس الروسي وجدت صدى قويًا بعد أن قال ما تتمنى معظم شعوب الارض أن تقوله في وجه الغطرسة الامريكية التي بلغت المدى وتجاوزت كل الحدود في الازمة الراهنة بقطاع غزة.
كلنا نعلم جيدا طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وطفلتها المدللة إسرائيل ، وشاهدنا كم تدخلت امريكا لحماية إسرائيل من هزائم عسكرية محققة وكم تدخلت لحمايتها من أي قرارات إدانة في مجلس الأمن على مدار 75 سنة كاملة منذ نكبة 1948 ، ولكن الانحياز الفاجر بهذا الشكل المزري لم يرتكبه أي رئيس أمريكي قبل بايدن.
كلهم كانوا يدعمون إسرائيل في الجلسات المغلقة ولكنهم كانوا يحافظون على ورقة التوت الاخيرة التي تسترهم أمام الشاشات التليفزيونية والمؤتمرات الصحفية ، ولكن بايدن وفريقه ألقوا ورقة التوت جانبًا ومارسوا رقصة الاستربتيز السياسي ببجاحة منقطعة النظير وصلت الى درجة الاعتراض على وقف اطلاق النار رغم المذابح اليومية التي يشاهدها العالم أجمع لأطفال ونساء غزة.
انكشفت السياسة الامريكية القذرة بشكل علني وغير مسبوق وسقطت للابد الصورة التي يروجها الامريكان منذ عقود باعتبارهم واحة الديموقراطية في العالم وراعية حقوق الانسان ، وثبت بالدليل القاطع انها لم تعبأ أبدا بحقوق أي انسان باستثناء الانسان الصهيوني أما الفلسطينيين وغيرهم أصبحوا مجرد ارقام يرددها مذيعو النشرات الاخبارية ما بين شهيد ومصاب ومفقود ونازح.
الامريكان الذين يطالبون مختلف الانظمة الحاكمة في شتى بقاع الارض بتطبيق الديمقراطية واحترام حرية التعبير وعدم قمع المظاهرات أطلقوا العنان للحرس الوطني في قمع المظاهرات داخل الولايات المتحدة نفسها وشاهدنا على شاشات التلفاز أحصنة الحرس الوطني وهي تخترق الحشود وهرواتهم الغليظة تهوي على رؤوس المتظاهرين.
الأمريكان الذين حشدوا حلف الناتو بكل إمكانياته العسكرية والسياسية والاقتصادية لتأديب الدب الروسي لمجرد أنه خدش وجه اوكرانيا بمخلبه يباركون المجازر اليومية التي يرتكبها الجيش الصهيوني في غزة بالاسلحة الأمريكية وفي حماية حاملات طائراتهم التي حركوها الى البحر المتوسط ككارت ارهاب لأي قوى اقليمية تفكر في التدخل للدفاع عن المدنيين العزل في غزة.
المسرح السياسي العالمي بعد انتهاء الحرب في غزة لن يعود ابدا كما كان قبلها، فالولايات المتحدة فقدت رصيدها بالكامل لدى حكومات وشعوب الشرق الاوسط ولم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط النزيه بين العرب واسرائيل كما لم تعد تصلح لتكون الحماية والدعم لاي نظام حاكم بعد أن غدروا بكل حلفائهم واحدا تلو الآخر ..ولنا العبرة والعظة فيما فعلوه بصدام حسين.
اعتقد أن الفترة القادمة ستشهد دورًا أكبر لروسيا في المنطقة بعد فراغها من المستنقع الاوكراني والذي بات وشيكًا ، كما سيكون التنين الصيني في الصورة أيضا بعد الاتفاقيات التي أبرمها مع عدد من الدول الاقليمية وفي مقدمتها ايران والسعودية.
الشرق الاوسط لن يعود أبدًا كما كان بعد الحرب وليحفظنا الرب ويحفظ بلادنا من الشرور والمكائد.