إنهــا مصـــــــر

الأنفاق.. مقبرة أم مصيدة؟

كرم جبر
كرم جبر

أخشى أن تكون الدعاية الإسرائيلية بشأن أنفاق حماس، على طريقة اكاذيب النووي والكيماوي لصدام حسين، ثم ثبت أنه لم يمتلك شيئاً، وتم تدمير العراق بوشايات كاذبة.

أتذكر وزير الخارجية الأمريكى كولن باول أمام مجلس الأمن عام 2003، وهو ممسك زجاجة صغيرة فى يده، صائحاً: هذه هى الجمرة الخبيثة التى ينتجها صدام حسين.

وهو يقول: لدينا أوصاف لمصانع الأسلحة البيولوجية للعراق ونقلها على شاحنات كبيرة، ولدينا معلومات عن امتلاكه مخزوناً يتراوح بين 100 و500 طن لتصنيع الأسلحة الكيماوية، ويستطيع إنتاج أسلحة نووية، وهو الذى خطط لتفجير برجى التجارة فى نيويورك.    

وبعد مرور عشرين سنة اعترف "باول" فى الذكرى العشرين للغزو بأن شهادته "وصمة عار فى مسيرته السياسية"، واعتبر الأمر مؤلماً للغاية، فى مقابلة مع قناة ABC التليفزيونية الأمريكية، "لقد اعتمدنا على معلومات استخباراتية معيبة وغير صحيحة".

هدموا العراق وقتلوا مئات الالاف بتقارير مزيفة حصلوا عليها من عملاء خونة، ولم يقدموا الاعتذار أو واجب العزاء.

اخشى ان يعاد نفس السيناريو مع أنفاق غزة بعد أن نسجت الدعاية الاسرائيلية والغربية حولها أساطير أقرب إلى الخيال، وأن حماس شيدت 1300 نفق بطول 500 كيلو متر، ومزروعة بدروع وقواعد واليكترونيات وغرف للمعيشة والاجتماعات والأجهزة والمعدات الحربية، ويصل عمقها إلى 70 متراً تحت الأرض،وربما ساعدت كوريا الشمالية حماس فى حفرها.

وبقدر التهويل فى اسطورة الانفاق تحصل إسرائيل على آلاف الاطنان من الأسلحة والذخائر وأجهزة الاستشعار المضادة للتصادم وأسلحة الذكاء الاصطناعى والقنابل الذكية، ومئات القنابل والمتفجرات والصواريخ، لتدك غزة وتقتل المدنيين الابرياء.

ووصلت الدعاية الإسرائيلية إلى ان غزة لم تعد مدينة واحدة تحت الأرض ولا "غزتين" بل ثلاث مدن، وحصلت اسرائيل على مادة لزجة من امريكا، تقوم بنفخها فى مداخل الأنفاق فتتحول إلى ما يشبه الأبواب الحديدية وتخنق من بداخلها، وزعمت انها ستكون "مقبرة " لحماس، وردت الاخيرة بان الانفاق ستصبح "مصيدة" لجنود الاحتلال.

إسرائيل لم تترك شيئاً فوق الأرض فى شمال غزة، وحولتها إلى أنقاض وتدفع السكان إلى الجنوب، والغرب مشغول ببحث سيناريوهات ما بعد الحرب، وكأنها حسمت تماماً وخرجت حماس من المعادلة، مع أن الشواهد على أرض الواقع تؤكد أن المعركة لم تنته.

نتنياهو يقول إن إسرائيل ستتولى المسئولية الأمنية فترة غير محددة ثم تراجع عن تصريحه، وأمريكا وأوروبا تؤكدان أنه لا مستقبل لحماس فى التسوية، وألمانيا تتحاور حول تحالف دولى لتفكيك أنظمة الأنفاق، وتجفيف منابع حماس مالياً وسياسياً، ثم إطلاق مسيرة السلام.

والنقطة الإيجابية الوحيدة هى أن العالم كله يتحدث الآن عن حل الدولتين وأنه لا بديل له، وهذا يتطلب مبادرة عربية واعادة احياء مبادرة السلام العربية، وإلا ستكون الفرصة الاخيرة الضائعة.

الأولويات هى الهدنة وإدخال المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار، ثم طرح مبادرة حل الدولتين استغلالاً لسخونة الأحداث فى مسرح العمليات، فإسرائيل تريد أرضاً بلا شعب، انتظاراً لفتح أبواب الهجرة اليهودية لتوطينهم واستكمال التهام الاراضى الفلسطينية.

لا تنتظروا تعاطف الرأى العام العالمى الذى يتعامل مع المجزرة بطريقة مشاهدة أفلام الرعب ليلاً، ثم يخلد إلى النوم فى هدوء دون احلام مزعجة، ولا تبحثوا عن الضمير الانسانى فى عالم ليس له ضمير.