«وفاء و وفاء» قصة قصيرة للكاتب حسين يوسف العصفوري

حسين يوسف العصفوري
حسين يوسف العصفوري

هرع الجميع يتسابقون، يبتعدون عن موقع الانفجار، والشظايا تملأ المحيط، وأشلاء تتناثر، ودماء تختلط بماء المطر وتنساب كأنها أنهارا، لحظات وامتلأ المكان بأصوات كثيرة وهم مذعورين واقتربت فتاة من رأس منفصلة لم تطلها شظايا الانفجار، إنها لوجه عربي وعلا صياح الفتاة الله أكبر.

اشتبكت اللكنات واختلطت، والصغار يتراجعون يتخذون مواقعهم لبدأ الانتشار أمام الطوق الأمني الذي بدأ يفرض على المكان، والمجنزرات تتحرك بسرعة، تبتعد عن مرمى نيران الأطفال، ويبحثون عن كل حجرا ولو صغيرا ممكن أن يصل إلى رأس جبان ، ويعلوا الهتاف ويزداد، إنها لفتاة، صراخ وعويل في موقع الحدث.

 وكالات الأنباء تطير الخبر والكاميرات المحمولة تنقل على الهواء أشلاء الجنود، والخبراء في القتل كثيرون، وصاح أحدهم هي فتاة من الشمال، وترتدي لباس مدارسنا، أهي منا أم منهم!! وتتحدد الهوية على شريط مذاع في التلفاز القريب؛ إنها لفتاة عربية،

 من أرغمك على ذلك؟ امتلأت المآقي بالدموع، إنها بنت السابعة عشر، لم يهنأ لها بال منذ بدا الحصار وأبيها بين القضبان والرمال حبيسا، هكذا قالت وفاء التي أذاعت النبأ بنفسها في كل الدنيا على شريط مسجل، ولم تنكرانها  تحت الحصار، وأنه قد آن الأوان أن يزول العدوان ويعود أبيها، إلى الحياة، ويرى الدنيا، ويمشي وسط الجميع كما كان، ويتحدث باسمهم، ونظرت ملئ عينيها احتوت جميع الأحرار وأردفت: إنهم جميعا بما يملكون فداءه، وبكت وفاء وهي تبايع الوطن والشرف والعزة والإباء: ـ أهدي روحي لله، فداء للوطن وفداء لأبى؛ عرفانا؛

وتوقفت كلمات وفاء وعيناها مرفوعتان للسماء تنتظر من يلبي النداء فقد انتشرت الدماء وتناثرت الأشلاء وساد الزعر في الأجواء وعلت الصيحات في كل الأرجاء..

 تحيا فلسطين حرة أبية ...عصية على الكسر.