«على الهامش».. قصة قصيرة للكاتب سمير لوبه 

سمير لوبه 
سمير لوبه 

في يوم صيفي قائظ  يجلس حامد  على الأريكة يقلب قنوات التليفزيون، يبحث عن شيء من بهجة تسري عنه ، تصدر من حامد  زفرات حارة لما يسمع ويشاهد على الفضائيات من دراما وأخبار يستمع إليها أكثر مما يتنفس ؛ ولكنه كمن يبحث عن إبرة في كومة قش في ليلة ظلماء حالكة السواد؛ يغلق الشاشة،  ويتمدد في محاولة يائسة متكررة أن ينام ولكن كالعادة يجافيه النوم ،

يفتح نافذة  فوق رأسه علّها تأتيه بنسمة باردة تعينه على النوم في تلك الليلة شديدة الحرارة فما وجد سوى لسعات الناموس ؛ يحتضن مسند الأريكة بين فخذيه ، ويدس رأسه في حجر الوسادة ربما تغلب على صوت مروحة السقف التي يعلو صوتها على صوت شخير زوجته البدينة التي تستلقي على ظهرها فاردة ذراعيها فتحتل معظم السرير؛ فألجأته قلة الحيلة لاتخاذ الأريكة منامة له.

يتقلب يمينا ويسارا، يتصبب جبينه عرقا، يغادر الأريكة، يفتح باب الحجرة الذي يصدر نشيجا يفوق صرير مروحة السقف وشخير زوجته التي يبادلها حبا بحب رغم أحزانه ، يتوجه للبلكونة ؛ يدخن السيجارة الكليوباترا الأخيرة في علبته  ينفث دخانها ينظر إليه،  تتعلق عيناه بالسماء ، يود أن يكون الآن في منطاد ؛ يعلو به ويبعد بعيدا في سماء صافية ونسيم عليل ؛ فيشاهد المروج الخضراء؛ لا يشم غير عطر الورد، ولا يسمع إلا تغريد البلابل.

تغفو سيجارته بين شفتيه الغليظتين؛ فيعود لأريكته في صمت؛ فهو لا يريد أن  يشعر من في البيت بالقلق الدائم الذي يعانيه والتفكير الذي يتصارع داخل رأسه كلما وضع رأسه على الوسادة لينام، رغم أنه لم ينل القدر الكافي من التعليم لكنه رضع الحكمة من ثدي الحياة ،  يطفو المرار إلى سقف حلقه، ويجافيه النوم؛  يتوجه للحمام ليضع بعض الماء على وجهه للتبريد قليلا فيلحظ وجود آثار الألوان لم تزل عالقة بتجاعيد وجهه البائس .

يقلب حامد في رأسه أمرا ربما يغضب أسرته ولكنه صار حتميا الآن وما عاد في قوس الصبر منزع؛  صار نومه ضربا من ضروب المستحيل؛ يفقد شغفه للحياة، ويشعر أنه مرغم عليها؛ لا يشغله سوى النجاة من يومه، وتوفير متطلبات أسرته، فالآن لا تحرص الناس على الترفيه قدر حرصها على توفير قوت اليوم.

تثقل تلك الهموم كاهل حامد فلا تفلح الألوان في إخفاء بؤسه الذي حفرته الأيام والليالي عبر السنين العجاف التي طحنته رحاها كما طحنت الناس؛  فغابت ضحكته وما عاد قادرا على ممارسة  مهنته الوحيدة التي لا يعرف سواها، وها هو بعد أن لملم  شتات نفسه  قد فعلها .

على الكرسي يتمدد أمام الطبيب النفسي، وما أن انتهى من الحديث الذي طال معه حتى توجه الطبيب إلى مكتبه ؛ يمسك بورقة عليها إعلان عن سيرك يقام على أطراف المدينة .

يتوسط الإعلان صورة لمهرج يبعث وجه الملون على الابتسام ؛ فيقدمها الطبيب إلى حامد قائلا: 

- نصيحتي أن تذهب لذلك العرض؛ ربما تتخلص من كآبتك، وتعود إليك ضحكتك؛ فتنام قرير العين هانيها.

اعتدل حامد في مقعده وهو يطأطئ رأسه متنهدا يقول (أنا المهرج نفسه).