كنيسة الجثمانية .. تاريخ واسرار مكان الصخرة المقدسة في فلسطين

 كنيسة الجثمانية بالقدس المحتلة
كنيسة الجثمانية بالقدس المحتلة

في قلب مدينة القدس المحتلة، على قمة جبل الزيتون، تتوسط كنيسة كل الأمم محيطًا من الأماكن المقدسة، حيث يتأمل زوارها في لحظات تاريخية للصلاة والتأمل. تعد هذه الكنيسة، المعروفة أيضاً باسم كنيسة الجثمانية، واحدة من أبرز المعالم الدينية المسيحية في القدس المحتلة.

صورة أثرية تعود لعام 1925 

يتعلق تأسيس هذه الكنيسة بالأحداث الرئيسية في حياة المسيح، حيث يُعتقد أنه صلى في حديقة جثيماني قبل أن يتعرض للاعتقال في الليلة الشهيرة، بحسب الرواية الإنجيلية.

في الفترة بين عامي 1919 و1924، نشأت هذه الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بدعم مالي من عدة دول مختلفة، مما منحها طابعًا دوليًا لا مثيل له. واجهتها الفاتنة، التي تزدان بصف من الأعمدة ولوحة فسيفسائية تجسد المسيح بشكل رمزي، تمثل روحانية معبدة تربط الإنسان بالخالق.

تاريخ الكنيسة يعود إلى عصور سابقة، حيث بُنيت على أطلال كنيستين قديمتين، إحداهما تعود لقرن الثاني عشر، والأخرى بازيليك بيزنطية تدمرت في زلزال عام 746. بفضل مهندس المبنى أنطونيو بارلوزي، اعيد احياء هذه الآثار القديمة بروح حديثة، مما جعل التصميم الحالي يجمع بين الكلاسيكية والإبداع.

أخذت كنيسة كل الأمم شكلها الحالي بعد اكتشاف أثري مذهل أثناء بناء أسسها في عام 1920. حيث تم العثور على عمود يعود للقرون الوسطى، وأجزاء من الفسيفساء التي تزينت بها الكنيسة البيزنطية القديمة. هذا الاكتشاف أدى إلى تعديل مخططات البناء وجعل الكنيسة مزيجًا مثيرًا من التاريخ والفن.

على مدى العقود، استمرت كنيسة كل الأمم في تجسيد روح التعاون الديني، حيث أُتيح للمسيحيين من مختلف الطوائف استخدام المذابح والحدائق المحيطة. يستمر المكان في رسم لوحة تعبيرية عن الوحدة بين كافة الطوائف المسيحية.

في ديسمبر 2020، أضيفت صفحة جديدة إلى تاريخ الكنيسة بفضل اكتشاف حمام طقسي يعود لعصور بناء الهيكل الثاني، مما أثار إعجاب علماء الآثار وجعل المكان يأخذنا في رحلة زمنية لفهم تطور الصلاة على مر العصور.

مع كل هذا التاريخ الرائع، لم تخلُ كنيسة كل الأمم من التحديات الحديثة. في ديسمبر 2020، تعرضت لمحاولة إحراق من قبل مستوطن إسرائيلي، ورغم أن الأضرار لم تكن كبيرة، على حين أدانت حراسة الأراضي المقدسة، الجهة المسؤولة رسميًّا على الأماكن المقدسة الكاثوليكية في إسرائيل وفلسطين، محاولات الاعتداء المتعمد على الكنيسة. في نفس اليوم، أدان الأزهر الشريف في القاهرة في بيان له محاولة إحراق الكنيسة، ووصفها بالعمل الإرهابي.

إلا ان هذا الحادث سلط الضوء على التحديات الأمنية التي تواجه المواقع الدينية في هذا الزمان.

في هذا السياق، تظل كنيسة كل الأمم شاهدًا على تاريخ غني من الصلاة والتضحية، وفي الوقت نفسه، تواجه تحديات الحاضر مع تفاؤل، مؤكدة على دورها الريادي في تعزيز قيم التسامح والوحدة بين مختلف المجتمعات الدينية في فلسطين.