..من حسن حظي أنى ولدت وسط عائلة كبيرة لها أصل واضح ومعروف للجميع؛ فالجد الأكبر وضع أساسًا واضحًا لعلاقة الأبناء والأحفاد مع الجميع، أساسها الحب والتعاون وحماية الغير قبل النفس من أي معتدي، تلك الأسس التى وضعها تعتبر دستور العائلة، والذى ظل حتى يومنا هذا نسير بأحكامه واعرافه مهما تغير العالم من حولنا.
جدي رحمه الله، كان يؤمن بأن الماضى أساس المستقبل مهما أبهرتك تغيرات الحاضر، لذلك كان يسجل الاحداث والمواقف واسلوب الحياة التى عاشها، والانجازات التى حققها، كما كان يعشق البناء والعمارة؛ لذلك كان يأمر أبناءه بالبناء فى كل مكان وتسجيل الأحداث بشكل مستمر وكتابة دستوره الإنساني واكتشافاته على الجدران حتى تظل محفورة للأحفاد ويصبح ماضيهم ومن خلاله يبنون المستقبل.
ترك جدي لنا «نحن الأحفاد» ميراث لا يقدر بثمن، لا أنكر أن تغيرات الزمن وما يحدث فى الحاضر جعل بعض الأحفاد يتأثرون وينبهرون بما يحدث حولهم، لم يتذكروا عظمة الجد الأكبر وانجازات الآباء، ضاع عقلهم لما تشاهده اعينهن، لم يتذكروا نصيحة الجد «لا مستقبل بدون تاريخ ولا تنبهر بتغيرات الحاضر»، فبعض الاحفاد ضاعوا وسط زحمة انبهارات سيرك العالم؛ فمنهم من باع كنز الجد ومنهم من باع فكرة التاريخ ومنهم باع نفسه وأصبح يعتقد انه غير قادر على تحقيق احلام المستقبل، وهناك الكثير مازال مؤمن بهويته الأصلية ويسعى جاهدا للحفاظ عليها والعمل من أجل صناعة مستقبل أفضل ليسير على درب الجد والآباء.
وسط كل ذلك تأتي إشارات لنا «نحن الأحفاد» تؤكد أننا من نسل العظماء القادرين على تحدي الصعاب وتغيير الحاضر وبناء المستقبل، قد تكون إشارات ربانية لحثنا على العمل ومعرفة قدرنا الحقيقي.. ومن تلك الأمثال محاولة تقليد أعمال الجد رحمه الله؛ ففى الصين وتحديداً مدينة «تشينزين»، بنوا منطقة سياحية كاملة في نسخة مقلدة من آثار منطقة الجيزة جذبوا من خلالها ملايين البشر لرؤية أبو الهول المقلد، وقتها تحركت الحكومة المصرية، فالآثار المقلدة أضرت بالتراث الثقافي المصري، وبالفعل هدمت الصين النسخة المقلدة.
لم يتوقف النسخ ومحاولة السطو على التاريخ عند هذا الحد، بل قامت شركة فرنسية مستخدمة التطور التكنولوجي وتحديدًا بعد التطور الهائل فى العالم الافتراضى وقامت بتصميم المنطقة الأثرية فى الجيزة «الأهرامات» وبدقة متناهية، للتنقل داخل المنطقة الأثرية من داخل منزلك، وكانت الأهرامات هي المثال الوحيد للشركة ولتسويق الفكرة، وهذا يؤكد على قوة وعظمة التراث الذي تركه الجد لنا، وآخر تلك المحاولات كانت نسخ الأهرامات وأبو الهول فى المملكة العربية السعودية الشقيقة خلال موسم الرياض الترفيهي.
اعتقد أن المحاولات ستظل مستمرة، ولكن علينا نحن الأحفاد العمل بوصية الأجداد لحماية هويتنا المصرية الأصيلة وتراثنا العظيم الفريد الذي يراقبه العالم بحسد وغيرة.. ادعوا لـ «جدى» بالرحمة.