ادعوا لـ «جدى» بالرحمة

مصطفى منير
مصطفى منير

‭..‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظي‭ ‬أنى‭ ‬ولدت‭ ‬وسط‭ ‬عائلة‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭ ‬أصل‭ ‬واضح‭ ‬ومعروف‭ ‬للجميع؛‭ ‬فالجد‭ ‬الأكبر‭ ‬وضع‭ ‬أساسًا‭ ‬واضحًا‭ ‬لعلاقة‭ ‬الأبناء‭ ‬والأحفاد‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬أساسها‭ ‬الحب‭ ‬والتعاون‭ ‬وحماية‭ ‬الغير‭ ‬قبل‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬معتدي،‭ ‬تلك‭ ‬الأسس‭ ‬التى‭ ‬وضعها‭ ‬تعتبر‭ ‬دستور‭ ‬العائلة،‭ ‬والذى‭ ‬ظل‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬نسير‭ ‬بأحكامه‭ ‬واعرافه‭ ‬مهما‭ ‬تغير‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولنا‭.‬

جدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الماضى‭ ‬أساس‭ ‬المستقبل‭ ‬مهما‭ ‬أبهرتك‭ ‬تغيرات‭ ‬الحاضر،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يسجل‭ ‬الاحداث‭ ‬والمواقف‭ ‬واسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬التى‭ ‬عاشها،‭ ‬والانجازات‭ ‬التى‭ ‬حققها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يعشق‭ ‬البناء‭ ‬والعمارة؛‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يأمر‭ ‬أبناءه‭ ‬بالبناء‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وتسجيل‭ ‬الأحداث‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬وكتابة‭ ‬دستوره‭ ‬الإنساني‭ ‬واكتشافاته‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬حتى‭ ‬تظل‭ ‬محفورة‭ ‬للأحفاد‭ ‬ويصبح‭ ‬ماضيهم‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬يبنون‭ ‬المستقبل‭.‬

ترك‭ ‬جدي‭ ‬لنا‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬الأحفاد‮»‬‭ ‬ميراث‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬تغيرات‭ ‬الزمن‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬الحاضر‭ ‬جعل‭ ‬بعض‭ ‬الأحفاد‭ ‬يتأثرون‭ ‬وينبهرون‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬حولهم،‭ ‬لم‭ ‬يتذكروا‭ ‬عظمة‭ ‬الجد‭ ‬الأكبر‭ ‬وانجازات‭ ‬الآباء،‭ ‬ضاع‭ ‬عقلهم‭ ‬لما‭ ‬تشاهده‭ ‬اعينهن،‭ ‬لم‭ ‬يتذكروا‭ ‬نصيحة‭ ‬الجد‭ ‬‮«‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬بدون‭ ‬تاريخ‭ ‬ولا‭ ‬تنبهر‭ ‬بتغيرات‭ ‬الحاضر‮»‬،‭ ‬فبعض‭ ‬الاحفاد‭ ‬ضاعوا‭ ‬وسط‭ ‬زحمة‭ ‬انبهارات‭ ‬سيرك‭ ‬العالم؛‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬باع‭ ‬كنز‭ ‬الجد‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬باع‭ ‬فكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬ومنهم‭ ‬باع‭ ‬نفسه‭ ‬وأصبح‭ ‬يعتقد‭ ‬انه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬احلام‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬مازال‭ ‬مؤمن‭ ‬بهويته‭ ‬الأصلية‭ ‬ويسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صناعة‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬ليسير‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الجد‭ ‬والآباء‭.‬

وسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تأتي‭ ‬إشارات‭ ‬لنا‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬الأحفاد‮»‬‭ ‬تؤكد‭ ‬أننا‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬العظماء‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬الصعاب‭ ‬وتغيير‭ ‬الحاضر‭ ‬وبناء‭ ‬المستقبل،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬إشارات‭ ‬ربانية‭ ‬لحثنا‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬ومعرفة‭ ‬قدرنا‭ ‬الحقيقي‭.. ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الأمثال‭ ‬محاولة‭ ‬تقليد‭ ‬أعمال‭ ‬الجد‭ ‬رحمه‭ ‬الله؛‭ ‬ففى‭ ‬الصين‭ ‬وتحديداً‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬تشينزين‮»‬،‭ ‬بنوا‭ ‬منطقة‭ ‬سياحية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬نسخة‭ ‬مقلدة‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬منطقة‭ ‬الجيزة‭ ‬جذبوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬لرؤية‭ ‬أبو‭ ‬الهول‭ ‬المقلد،‭ ‬وقتها‭ ‬تحركت‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية،‭ ‬فالآثار‭ ‬المقلدة‭ ‬أضرت‭ ‬بالتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬المصري،‭ ‬وبالفعل‭ ‬هدمت‭ ‬الصين‭ ‬النسخة‭ ‬المقلدة‭.‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬النسخ‭ ‬ومحاولة‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬شركة‭ ‬فرنسية‭ ‬مستخدمة‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بعد‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضى‭ ‬وقامت‭ ‬بتصميم‭ ‬المنطقة‭ ‬الأثرية‭ ‬فى‭ ‬الجيزة‭ ‬‮«‬الأهرامات‮»‬‭ ‬وبدقة‭ ‬متناهية،‭ ‬للتنقل‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‭ ‬الأثرية‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬منزلك،‭ ‬وكانت‭ ‬الأهرامات‭ ‬هي‭ ‬المثال‭ ‬الوحيد‭ ‬للشركة‭ ‬ولتسويق‭ ‬الفكرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬وعظمة‭ ‬التراث‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬الجد‭ ‬لنا،‭ ‬وآخر‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬كانت‭ ‬نسخ‭ ‬الأهرامات‭ ‬وأبو‭ ‬الهول‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬خلال‭ ‬موسم‭ ‬الرياض‭ ‬الترفيهي‭.‬

اعتقد‭ ‬أن‭ ‬المحاولات‭ ‬ستظل‭ ‬مستمرة،‭ ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬الأحفاد‭ ‬العمل‭ ‬بوصية‭ ‬الأجداد‭ ‬لحماية‭ ‬هويتنا‭ ‬المصرية‭ ‬الأصيلة‭ ‬وتراثنا‭ ‬العظيم‭ ‬الفريد‭ ‬الذي‭ ‬يراقبه‭ ‬العالم‭ ‬بحسد‭ ‬وغيرة‭.. ‬ادعوا‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬جدى‮»‬‭ ‬بالرحمة‭.‬


 

;