106 أعوام على «وعد بلفور»| ذكرى الوطن المزعوم.. وبداية «مأساة فلسطين»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يقولون «الحرب ليست نزهه»، ليس فقط بسبب الأهوال التي تأتي بها على البشر، والمدنيين الذي يعانون على إثرها من الفقدان والخوف والرعب والفقر، ويدفع ثمنها أجيال من بعدها، ليس كل هذا وحده السبب، وإنما بسبب ما ينتج عنها من آثار سياسية قد تكون أسوأ بكثير من الحرب ذاتها.

الحرب هنا هي الحرب العالمية الأولى، التي بدأت عام 1914 وانتهت 1918، وكان من أهم نتائجها القضاء على «رجل أوروبا المريض»، اللقب الشهير الذي التصق بالدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر بسبب الهزائم التي تكبدتها وأفقدتها الكثير من أراضيها.

هُزمت الدولة العثمانية في الحرب، وجلس الأوروبيون يقتسمون تركتها في اتفاقية «سايكس بيكو» لتحديد مناطق نفوذهم الجديدة في الشرق الأوسط، وكيف يمكن لها أن تخدم مصالحهم.

«الهلال الخصيب» مصطلح أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري على ما أصبح يًعرف في عالمنا الحديث بدول: «الأردن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين». حصل كل من بريطانيا وفرنسا على نصيبهما من هذه البلدان، واتفقا أن تخضع فلسطين لإدارة دولية.

وبموجب معاهدة أخرى أطلق عليها «معاهدة سيفر» تخلت الدولة العثمانية عن كل أراضيها الغير ناطقة باللغة التركية، وخضعت فلسطين للانتداب البريطاني عام 1920. أقر هذا الانتداب «عصبة الأمم» رسميًا في عام 1922 بإصدار صك يعهد بإدارة فلسطين لبريطانيا.

كان من أهم أسباب صدور هذا الصك تنفيذ وعد أطلقه وزير الخارجية البريطاني، عام 1917، آرثر جيمس بلفور، والذي كان ناتج عن تعاطفه وتعاطف الحكومة في بريطانيا مع فكرة انشاء وطن لليهود، أعُتبر فيما بعد وعدًا تسبب في «نكبة» الشعب الفلسطيني، وسُمي «وعد من لا يملك لمن لا يستحق» أو في قول آخر «وعد بلفور».

اقرأ أيضًا: إسرائيل تاريخ من الأكاذيب| وعد بلفور الأول

أسباب كثيرة دفعت الرجل البريطاني لإعطاء هذا الوعد لليهود قبل انتهاء الحرب، لعل أهمها هو حصولهم على دعم الجاليات اليهودية التي كانت تسيطر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير، فكتب رسالته إلى المصرفي البريطاني البارون إدموند جيمس دي روتشيلد، والذي كان أحد أبرز وأهم الزعماء اليهود.

لم يعد بلفور في رسالته اليهود بدولة، بل وعهدهم بوطن، يحصلون فيه على كل حقوقهم، ويُعزى لهذه الرسالة بدء الهجرة اليهودية من كل مكان في العالم في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وإن لم تتضمن هذه الرسالة أية إجراءات سياسية في حد ذاتها.

فجاء نص الرسالة، كما يلي:
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالي الذي يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التي تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها.
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري تغيير أي شيء من شأنه أن يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الاخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الاخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي".
سأكون ممتنا لك إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا البيان.
المخلص
آرثر بلفور

 

انتهى الانتداب البريطاني عام 1948، وكان في ذلك الوقت قد توافد عدد كبير من اليهود حول العالم على فلسطين، فارين من الحرب في أوروبا وما واجهوه من اهوال المحرقة «الهولوكوست»، وجاءوا إلى فلسطين، مستغلين الوعد البريطاني والتعاطف العالمي هاربين من إبادة، لكي يبدأوا هم حرب إبادة جديدة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم.